أعلنت العديد من التقارير الاعلامية أن داعش قد فجّر الجامع النوري الكبير، أحد أبرز مساجد العراق التاريخية، ومئذنته "الحدباء" التي تعتبر من أهم الآثار التاريخية والتي يطلق على الموصل اسم الحدباء تيمنًا بها.
مسجد "النوري الكبير"، بناه مؤسس الدولة الزنكية، الأمير نور الدين محمود زنكي عام 1173، بمدينة الموصل، وهو المكان الذي ألقى فيه أمير داعش أبو بكر البغدادي خطبته الشهيرة والتي أعلن فيها الخلافة، حيث كان لاختيار ذلك الجامع بالتحديد رمزية تاريخية، باعتبار أن المساحة التي كان داعش ينوي السيطرة عليها واعلان خلافته فيها هي نفسها المساحة التي سيطر عليها نور الدين زنكي قبل حوالى تسع قرون.
ويأتي تفجير الجامع النوري، مؤشرًا مبكرًا لانتهاء داعش في بلاد الشام، فالتنظيم الارهابي بات يتقهقر في كل من سوريا والعراق بعد أن أدّى العديد من المهام، فنشر الفوضى والقتل والرعب في كل أرجاء المنطقة بتنفيذه عمليات انتحارية في كل من دول المشرق، كما زاد الشرخ بين المذاهب الاسلامية السنية والشيعية، وقضى على وحدة المجتمعات بقيامه بالفظائع ضد الاقليات الدينية في المنطقة وسبي النساء وتعذيبهن وبيعهن في سوق الرقيق.
هذا على الصعيد الاجتماعي والسياسي، أما على الصعيدين العسكري والاستراتيجي، فقد قام داعش لفترة ليست بقصيرة بإلغاء الحدود التاريخية بين سوريا والعراق، واستنزف الجيشين العراقي والسوري، لكنه بالمقابل أدّى الى ظهور الحشد الشعبي العراقي المدعوم ايرانيًا، كما أدّى الى عودة الأميركيين عسكريًا الى العراق وتشكيل تحالف عسكري دولي لمحاربة التنظيم، والأهم أنه سمح للأميركيين بالتواجد عسكريًا في سوريا، لأول مرة في تاريخهم، وتأسيس قواعد عسكرية ضمن هذه الدولة تحت ستار مكافحة الارهاب الداعشي.
واليوم، يتقهقر داعش أمام الضربات التي يتعرض لها في كل من سوريا والعراق، وتتقلص المساحة التي يسيطر عليها، ويبدو أن مهمته المشرقية قد انتهت وما هي إلا شهور قليلة حتى يُعلن انتهاء التنظيم في بادية الشام، بعد أن يكون كل طرف قد استفاد من رقعة جغرافية "حررها من قبضة داعش"، فيحصل الأكراد على جزء من الجغرافية السورية يأملون تأسيس دويلتهم عليها، ويسيطر الأميركيون على جزء آخر على الحدود المشتركة بين العراق وسوريا والاردن، ويقيمون قواعد عسكرية فيها وفي مناطق الأكراد، ويسيطر الأتراك على جزء جغرافي في الشمال السوري، ويبقى الجيش السوري مشغولاً بمحاولة تحرير ما تبقى من الجغرافيا السورية التي خرجت بفعل الحرب عن السيادة السورية.
فما هو مصير داعش بعد انتهاء مهمته في المشرق العربي؟
على ما يبدو هناك 3 طرق سيسلكها عناصر داعش المهزومين في المنطقة:
- الطريق الاول: بقاء بعض عناصر التنظيم من أبناء العراق وسوريا في المنطقة، وذلك من خلال خلع بدلة داعش والالتحاق ببعض المجموعات المسلحة التي تقاتل النظام السوري وذلك لإشغال الجيش السوري وحلفاءه لأطول مدة ممكنة.
- الطريق الثاني: شمال أفريقيا
رغم فقدان داعش لمراكزه الثابتة في ليبيا، لكن التنظيم يتمتع بحضور وانتشار في الداخل الليبي، ويبدو أن مهمة داعش في ليبيا لم تنتهِ وما زال التنظيم الارهابي مصرًا على التواجد في ليبيا، واعتمادها مقرًا للانطلاق الى الدول المجاورة، للتغلغل في أفريقيا ولتهديد كل من تونس ومصر والجزائر ومالي ونيجيريا وغيرها.
- الطريق الثالث: أفغانستان
بالرغم من محدودية الجغرافيا التي يسيطر عليها داعش في أفغانستان، إلا أن بروزه بشكل مفاجئ وسيطرته على مناطق استراتيجية هامة، ومنها تورا بورا المقر التاريخي لزعيم القاعدة أسامة بن لادن والذي خسرها فيما بعد، كما قتاله ضد طالبان، والأخطر صدور تقارير وتصريحات روسية رسمية(لافروف) تشير الى أن طيرانًا "مجهولاً" يلقي الاسلحة والمساعدات لداعش في أفغانستان غازمًا من قناة البنتاغون وحلف شمالي الاطلسي اللذان نفيا الأمر.... كل ذلك يشير الى أن ظهور داعش المفاجئ وسيطرته المستغربة على مساحات واسعة من العراق وسوريا وليبيا قد تتجدد في أفغانستان.
ولعل من المهم الإشارة الى أن بروز داعش في أفغانستان وسيطرته على مناطق حيوية، سيؤدي الى مزيد من الاضطرابات في آسيا الوسطى ودولها، ما قد يدفع الأميركيين الى الاسراع في إرسال آلاف الجنود الى هناك لمحاربة داعش.
وقد يكون من المجدي التذكير بأن أمن آسيا الوسطى مرتبط الى حد بعيد بالأمن القومي الروسي والأمن القومي الصيني، كما بطريق الحرير الجديد الذي تقوم من خلاله الصين بتجارة بريّة سريعة مع اوروبا، تهدف من خلالها الى تفعيل طريق الحرير القديم، وهو يتضمن حاليًا 7 خطوط تنقل البضائع بريًا بين اوروبا والصين بمعدل 18 يومًا للرحلة.
وفي كلا الحالتين الأخيرتين، سيشكّل داعش قلقًا للصين سواء في افريقيا حيث تتغلغل شركاتها وتنافس بقوة، أو في آسيا الوسطى وفي الدول المجاورة للصين والتي ستؤثر بشكل كبير على استقرار الصين الداخلي خاصة في ظل انضمام الآلاف من الايغور الصينيين الى داعش في وقت سابق.