منذ أشهر ليست بالقليلة، يشهد المجلس النيابي شغوراً يطال ثلاثة من مقاعده في كل من كسروان بفعل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في تشرين الثاني 2016، وطرابلس بفعل استقالة النائب روبير فاضل التي أصبحت نافذة في تشرين الأول 2016، ووفاة النائب بدر ونوس في كانون الثاني 2017.
وإذا كان السياسيون أسقطوا من أجندتهم إجراء انتخابات فرعية قبل إقرار قانون الانتخاب، على اعتبار أن ولاية المجلس النيابي كان يفترض أن تنتهي الشهر الماضي، فإنّ التمديد "التقني" الذي تضمّنه القانون يدفع إلى التساؤل، هل تدرج مثل هذه الانتخابات على "الورشة السياسية" الموعودة، لتشكل الاختبار العملي الاول للقانون الجديد؟.
كلمة القانون...
بدايةً، تجدر الإشارة إلى أنّ قانون الانتخاب الجديد، الذي أقرّه المجلس النيابي خلال هذا الشهر، بات هو القانون النافذ الذي يفترض العودة إليه في كلّ ما له علاقة بالشأن الانتخابي، كون هذا القانون دخل حيّز التنفيذ رسميًا وعمليًا مع نشره في الجريدة الرسمية، وبالتالي، فإنّ لا صفة شرعيّة لأيّ قانونٍ آخر، ولو أنّ الشغور الحاصل حصل في ظلّه، وانّ "طبّاخي" القانون الجديد افترضوا الحاجة إلى بعض الوقت لتطبيقه، وترجموا ذلك بما أسموه بـ"التمديد التقني" للمجلس النيابي.
وفي ما يتعلق بالانتخابات الفرعية، ينصّ هذا القانون، وتحديدًا في المادة 43 منه، على أنّه إذا شغر أي مقعد من مقاعد مجلس النواب بسبب الوفاة أو الاستقالة أو إبطال النيابة أو لاي سبب آخر، تجري الانتخابات لملء المقعد الشاغر خلال شهرين من تاريخ الشغور، أو من تاريخ نشر قرار المجلس الدستوري القاضي بإبطال النيابة، في الجريدة الرسمية. ولا يشذّ عن هذه القاعدة سوى حصول الشغور خلال الأشهر الستّة الأخيرة قبل انتهاء ولاية المجلس.
انطلاقاً من ذلك، ولأنّ التمديد الذي أقرّ للبرلمان يمتدّ حتى شهر أيار 2018، ما يعني أنّ المدة الفاصلة عن انتهاء ولاية المجلس هي أحد عشر شهراً، بما يتخطى الأشهر الستّة المنصوص عليها في القانون، يصبح لزاماً من الناحية القانونيّة إجراء الانتخابات الفرعية بلا تردّد ولا إبطاء، بل إنّ هناك مخالفة موصوفة ترتكبها السلطات المعنيّة بتأخير إجراء هذه الانتخابات، التي حدّد القانون بوضوح لا لبس فيه وقتها خلال شهرين من تاريخ الشغور، وهو ما لم يحصل بطبيعة الحال.
وتبقى ملاحظة أساسيّة على هذا الصعيد تتعلّق بـ"شكل" هذه الانتخابات الفرعيّة، إن تمّت، إذ إنّ القانون يميّز بين وجود مقعد شاغر واحد على مستوى الدائرة الصغرى العائد لها، كحالة المقعد الماروني الشاغر في كسروان، بحيث يطبّق نظام الاقتراع الأكثري، ما سيعيدنا بشكل أو بآخر لأيام قانون الستين، الذي تغنّى السياسيون بأنّه أصبح في خبر كان، بخلاف الحال إذا تخطّى الشغور المقعدين في الدائرة الانتخابية الكبرى، كما هو الحال في طرابلس، حيث يعتمد نظام الاقتراع النسبي.
استحقاق مؤجّل...
عمومًا، وعلى الرغم من الإلزامية القانونية لإجراء الانتخابات الفرعية اليوم قبل الغد، فإنّ لا مؤشرات تلوح في الأفق، توحي بأنّ أيّ دعوةٍ إليها ستصدر عن وزارة الداخلية والبلديات، أقلّه في المدى المنظور، وذلك لعدّة اعتباراتٍ وحساباتٍ، بينها ما هو تقنيّ بالدرجة الأولى، وما هو سياسيّ ويتستّر خلف العوامل التقنيّة.
فعلى الصعيد التقني أولاً، فإنّ إجراء الانتخابات الفرعية من شأنه أن يضرب في الصميم الذرائع التي اعتمدتها وزارة الداخلية بالتحديد لتبرير إطالة مدّة التمديد "التقني" للمجلس النيابي، وفق ذريعة أنّ الوزارة غير جاهزة عمليًا ولوجستيًا لإجراء الانتخابات الآن، وهي تحتاج لما لا يقلّ عن سبعة أشهر للتحضير للانتقال من النظام الأكثري إلى النظام النسبي، وما يتطلّبه ذلك من حملات توعية وتثقيف، وذلك بمُعزَلٍ عن استخدام البطاقة الممغنطة من عدمه.
أما إذا كانت هذه الانتخابات ستجري وفق النظام الأكثري لا النسبي، وهو ما يمكن توفيره من خلال "اجتهاد" ينطبق حتى على مقعدي طرابلس، باعتبار أنّ القانون ينصّ على اعتماد النسبية في حال تخطّى عدد المقاعد الشاغرة الاثنين، من دون أن يكون واضحًا كفاية حول مدى انطباق ذلك على الحالات التي يشغر فيها مقعدان فقط في الدائرة الواحدة، فإنّ العقبة قد تكون معنوية بالدرجة الأولى، إذ من غير المناسب أن يهلّل السياسيون لإنتاج قانون انتخابي جديد، ويعمدوا في الوقت نفسه لإجراء انتخابات وفق القانون القديم، الذي يتباهون بإسقاطه، من دون أن ننسى أنّهم أصلاً لا يحبّذون إجراء أيّ انتخابات اليوم، وفق أيّ قانونٍ.
ومن هذا المنطلق بالتحديد، لا تبدو كلّ التفاصيل التقنية الآنفة الذكر أكثر من "ذرائع" يعتمدها السياسيون لتأجيل الاستحقاق ليس إلا، لأنّهم غير جاهزين، بكلّ بساطة، لخوضه في ظلّ الظروف الراهنة، وهو أصلاً ما دفعهم لابتكار قانون انتخابي يبرّر التمديد الذي اتفقوا على "تهريبه" ضمن القانون منذ اليوم الأول. ولذلك، فإنّ الانتخابات، فرعيّة كانت أم غير فرعيّة، ليست أولوية لأحد في الوقت الحاليّ، بدليل أنّ أحداً لم يعرها اهتمامه، ولم يأتِ على ذكرها، في عزّ الحديث عن "ورشة سياسية" هنا و"تشريعية" هنالك، وكأنّ هناك خشية من لفت الأنظار إلى وجوب إجراء هذه الانتخابات الآن، ما قد يضع الطبقة السياسية في موقفٍ محرجٍ لا يحسدها أحدٌ عليه.
من يحاسب؟
في القانون إذاً، لا مفرّ من إجراء الانتخابات الفرعية اليوم قبل الغد، بل إنّ هذه الانتخابات كان يجب أن تجري بالأمس قبل اليوم، والسلطات المعنيّة تخطّت المهل المسموح بها لإجرائها، بما يشكّل مخالفة صريحة وواضحة للقانون.
ولكن في السياسة، تشرّع هذه السلطات لنفسها كلّ شيء من دون خجل ولا تردّد، لدرجة أنّه لن يكون مستغرَبًا، أن تعمد، في حال الإحراج، وهو أصلاً مستبعَدٌ عنها، إلى إصدار قانونٍ معجّل مكرّر "يعفيها" من إجراء الانتخابات، بذريعة "القانون الجديد" أو "الإنجاز" كما يحلو لها وصفه...