منذ أن أتخذ القرار السياسي بوضع حدّ لتدفق النازحين السوريين الى لبنان على قاعدة أن البلد لم يعد يحتمل وأن صرخة الناس من جراء معاناة النزوح باتت تطلق بوتيرة يومية ومن كل المناطق، بدأ الأمن العام بتطبيق تدابيره المتشددة التي تمنع دخول السوريين الى لبنان كيفما كان، وراحت المديرية العامة تضع الشرط تلو الآخر قبل السماح لأي سوري يريد عبور الحدود عبر المعابر الحدودية الشرعية. لكن هذه التدابير المتشددة لم تترافق مع تدابير أمنية شبيهة تضع حداً للفلتان القائم على المعابر الحدودية غير الشرعية، كما هي الحال في بلدتي مجدل عنجر والصويري. فبمساعدة مشتركة بين مهربين لبنانيين وسوريين، يدخل لبنان يومياً المئات من السوريين من دون حسيب او رقيب ومن دون أن يتم تسجيل دخولهم لدى مراكز الأمن العام، كيف؟ الجواب بهذه الرواية التي جاءت على لسان شاهد من أهله.
"نصل الى منطقة جديدة يابوس الفاصلة بين الحدود اللبنانية والحدود السورية، نعبر الأمن العام السوري، ونكمل طريقنا عبر التاكسي، وقبل الوصول الى الحدود اللبنانية وتحديداً الى نقطة الأمن العام في المصنع، نتخلى عن التاكسي، ونلتحق بالمهرب الذي ينتظرنا الى جانب الطريق. مع المهرب علينا أن نعبر منطقة جردية لمدة 55 دقيقة سيراً على الأقدام، كي نصبح داخل الأراضي اللبنانية، إما في بلدة مجدل عنجر وإما في الصويري، ومن هناك ننتقل الى أحد مخيمات البقاع".
أغرب ما في هذه الرواية، أنها تحصل طيلة أوقات النهار، ليس فقط في الليل وتحت أجنحة الظلام، والأغرب أيضاً أن الطرقات التي يسلكها السوريون المهربون الى لبنان، لا يمكن وصفها بالوعرة والسرية، بل هي طرقات غير معبّدة ولكن سهلة العبور لأي شخص، ومكشوفة أمنياً من النقاط العسكرية المنتشرة في الجرود، لذلك لا بدّ من طرح السؤال، كيف يتشدد الأمن العام بقرار سياسي-أمني مشترك على المعابر الشرعية بهدف وضع حد لتدفق النازحين السوريين الى لبنان، وتُتْرك المعابر غير الشرعية والمكشوفة مشرعة أمام حركة المهرّبين الذين يتقاضون أموالاً من النازحين لتسهيل عبورهم الى لبنان بطريقة غير شرعية؟ وماذا لو كان بين المهربين الى لبنان إرهابيون؟ وهذا أمر وارد وبقوة خصوصاً أن عدداً كبيراً من السوريين المهربين الى لبنان في الآونة الأخيرة جاؤوا من الرقة، حيث يضيق الخناق أكثر فأكثر على تنظيم داعش الإرهابي وهذا ما أثبتته التوقيفات الأمنية التي نفذها فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، إذ كشفت عن توقيف حوالى 35 سورياً من بين الداخلين خلسة الى لبنان، جاؤوا من الرقّة. من الأمور غير المقبولة أمنياً أيضاً والتي يجب التنبّه اليها، هي أن المهربين اللبنانيين وبغالبيتهم الساحقة معروفو الهوية وبالتالي إذا صدر قرار بضبط الحدود وتوقيفهم سيكون من السهل جداً تطبيقه.
فهل تدرك الحكومة والأجهزة المعنية خطورة الفلتان الأمني على المعابر الحدودية غير الشرعية؟. على أمل أن يحصل ذلك وبسرعة فائقة نظراً الى خطورة الذين يدخلون عبر طرقات التهريب، ومن يدري إذا كانوا ينقلون معهم الى المخيمات أسلحتهم الفردية!.