يُروى عن الرئيس الباكستاني الأسبق ضياء الحق قوله إنّ العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية كالعلاقة مع الفحم، لا يناله المرء منها سوى سواد اليدين وسواد الوجه.
هذا الكلام ينطبق تماماً على كل من عمل مع الولايات المتحدة من دول وأحزاب وأفراد.
والمتابع لحال دول الخليج يعرف أن الكل متورط في هذه العلاقة التي لا يجد منها مفرّاً، فكيف يكون المهرب من علاقة بُنيت بين أسياد وعبيد، ولطالما كان الأسياد يأكلون وينهبون ويأمرون وينهون، والعبيد لا ينبسون ببنت شفة واحدة، رغم كل ملوّثات الديكتاتورية والاستبداد والاضطهاد والجور والعمالة التي أُلصقت بهم بسبب هذا الارتباط الأسود الذي لا ينتج إلا الخزي والعار والخيانة.
وهذه الدول التي يعرف الجميع مدى كرمها وسخائها والتقديمات التي وفّرتها للولايات المتحدة كي تحظى برضها، ومع ذلك نجد بين الحين والآخر اتهامات لهذه الدول بممارساتها التي تنتهك حقوق الإنسان أو دعمها للإرهاب، كما هو الأمر مع الحالة القطرية مؤخراً.
فأميركا مهما أظهرت رضاها عن دولة، فإنها بوقت قصير يمكن أن تنسى العلاقات الماضية الوطيدة كلها أو العلاقات التاريخية كلها المستندة إلى مصالح اقتصادية ومالية مهولة تصب في صالح نمو الاقتصاد الأميركي. لذلك، العلاقة مع أميركا لا تحكمها القيم ولا حتى المال. فحتى لو كنتَ ترضخ لمتطلبات أميركا كلها في السياسة، وحتى لو بنيت أفضل المصالح وقواعد الاحترام والتعاون، وحتى لو كنتَ تدفع ما عليك من ضريبة لـ السيد الكبير ، فإنك لن تنجو من اتهامات وإجراءات وعقوبات وتشهير وابتزاز الإدارة الأميركية ومؤسساتها وقضائها وإعلامها.
فهذه الدولة القائمة على الصلف والعنجهية والتكبر لا يمكن أن تتخلى عن سياساتها وسلوكها الشيطاني على الإطلاق. ولعل ما جرى للسعودية بعد أن دفعت المليارات يقرّب الصورة أكثر. فقد دفعت السعودية المال ظناً منها أن أميركا ستقف معها في وجه قطر، لكنها تفاجأت بالموقف الأميركي الذي يقرّع السعودية على سلوكها الأرعن ويدعو إلى حل الخلاف بالحوار. القطريون بدورهم ظنوا أن الموافقة على كل ما تطلبه منهم أميركا سيعزز موقفهم ونفوذهم في المنطقة. فدفعوا للجماعات التكفيرية التي خربت سورية واليمن والعراق وليبيا مئات المليارات، لكن أميركا تتهمم الآن بتمويل الإرهاب.
الأتراك والمصريون وقعوا بفخ التعامل مع أميركا وحصدوا النتيجة نفسها: خيبات ونكول بالوعود بل رفع مستوى تهديد سلمهم الداخلي لمزيد من الابتزاز. الأكراد الذي توهّموا أن أميركا ستقيم لهم كياناً خاصاً، ها هي تقاتل بهم. وحتى في لبنان من جماعة 14 آذار إلى شخصيات راهنت على أميركا لقلب المعادلات الداخلية، هؤلاء جميعاً لم يحصدوا سوى الندامة والمرارة بل أكثر من ذلك تلطّخت وجوههم بالسواد، لأنّ أميركا هي المتهمة بكل هذا الإرهاب والدمار والخراب وتحويل الأرض إلى مكان لا يستحق العيش.
في الخلاصة: مَن يرد أن يبقى مع أميركا في سياساتها فلن تكون علاقته معها سوى كعلاقته مع الفحم الأسود الذي يسوّد الأيادي والوجوه. والأخطر أن يتحول هو إلى الفحمة – الجمرة التي تُشعل أميركا منها تبغها القاتل والمميت!