بات لبنان إحدى دول الممانعة، وان لم تصدر أي إشارة رسمية بهذا الخصوص من الحكومة أو من المجلس النيابي، أو من اي مؤسسة دستورية في البلاد .ورأت مصادر نيابية أنّ المعطيات السياسية والعسكرية التي شهدها لبنان منذ فترة لا تقل عن 15 عاما اثبتت هذا الواقع، وان كانت حكومة نجيب ميقاتي، او غيرها من الحكومات، قد اخترعت عبارة "النأي بالنفس" إرضاء لفريق سياسي يرفض التعامل مع سوريا على هذا الأساس، ولا يزال بعض من هذا الفريق يطالب بأن يكون قرار السلم والحرب بيد الحكومة، وبوضع السلاح، اي سلاح حزب الله، بعهدة الدولة اللبنانية، يقابله فريق آخر يرى انه في غياب استراتيجية دفاعية واضحة فإن سلاح الحزب لا يزال ضرورة ملحة للدفاع عن لبنان في وجه الأطماع الإسرائيلية وخطر الجماعات التكفيرية .
ووصفت مصادر سياسية رفيعة المستوى ان ما تشهده المنطقة العربية والعالم في هذه الايام بأنه "عصر الجنون"، بدءا من الاعتداءات الإرهابيّة في أوروبا مرورا بالحروب في العراق واليمن وسوريا، وصولا الى احتمالات المواجهات العسكرية بين روسيا من جهة والولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهة أخرى، بسبب أزمات منطقة الشرق الاوسط.
وقالت إنّ معالم احتمالات المواجهة المسلّحة واضحة، وهي بين محور مؤيّد للغرب ومعه الدول الخليجية وبعض الدول العربيّة، ومحور المواجهة المتمثل بايران وسوريا وحزب الله بدعم وتأييد من الروس .
واضافت المصادر نفسها الى انه يجب عدم إهمال ما يحصل بين دولة قطر وبعض الدول الخليجية ومصر، فإحتمال المواجهة العسكرية ما زال واردا، في ظل المعطيات المتوفرة حتى الساعة التي لا تشير الى ان الدوحة ستكون إيجابية حيال مطالب هذه الدول، في ضوء ما تردد عن لجوء البعض الى تدبير محاولة انقلاب في قطر يطلب على اثرها زعيم الانقلاب المحتمل الدعم العسكري من السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبذلك يتم فتح جبهة جديدة لا يمكن التنبؤ بنتائجها حيث من الممكن ان تكون طهران احد عناصرها.
ورأت المصادر ان ما يدعو الى القلق هو ان لا خطة واضحة او موقف جلي لدى الادارة الاميركية الجديدة ورئيسها دونالد ترامب مما يجري في المنطقة، وهناك تخبط في المواقف الاميركية سواء بالنسبة للازمة السورية او حرب اليمن، او موقفه حيال وضع حد للتمدد الإيراني والعلاقات بين قطر وجيرانها دول الخليج .
اما بالنسبة للبنان، فتعتقد المصادر ان مسار الامور لا يبشر بأن للدولة، اي مجلس النواب ومجلس الوزراء وكل المؤسسات الدستورية، ومعها الكتل النيابية والقوى السياسية مجتمعة، رؤية واضحة وموقف جامع لما يجب فعله.
في الموازاة، يرى عضو في كتلة الوفاء للمقاومة ان كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الاخير بمناسبة يوم القدس، في ما يتعلق بحق دول الممانعة بأن تقبل وترحب بمئات الآلاف من "المجاهدين" من الشعوب المؤيدة لها للدفاع عن لبنان وسوريا في حال تعرضا لاعتداء إسرائيلي، هو ردّ على استقدام دول عدة لمجموعات من القوى التكفيرية من كل أنحاء العالم للقضاء على سوريا والنظام فيها، الذي هو وبحسب النائب في الكتلة عصب الدول الممانعة.
وتعتبر مصادر سياسية انه كما جرت العادة، عاد الصراخ من قبل البعض مطالبين الدولة بالرد على موقف السيد حسن نصرالله، بحجة انه يتعارض مع الاجماع اللبناني، ويضر بمصالح لبنان الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
وتعتقد المصادر نفسها ان مثل هذا الأسلوب لم يعد ينفع للتوفيق بين المجموعة التي ترى ان مواقف حزب الله لا تناسب لبنان وموقعه وتكوينه الطائفي والسياسي، وأُخرى تؤكد ان اُسلوب المواجهة الذي يعتمده حزب الله منع اسرائيل من تحقيق طموحاتها التوسعية في لبنان، وابعاد خطر التكفيريين عن البلاد .
ورأت المصادر ان خيار المعترضين على سياسة الحزب ضيّق جدا، فعليهم اما ان يرفضوا الانضمام الى أي حكومة فيها حزب الله حتى يقتنع بوجهة نظرهم، وهذا يهدد الاستقرار السياسي وان كان هشا، او يكفوا عن اطلاق المواقف المعارضة في سياق تسجيل مواقف لا تقدّم ولا تؤخّر في تبديل الصورة .
ولفتت المصادر الى أنّ ما يجري في المنطقة من احداث خطيرة تنذر بحروب واحتمال تبدل بتكوين عدد من دول المنطقة، ووجود فريق لبناني اصبح يملك مئات الآلاف من الصواريخ وقوة عسكرية ضخمة، يتعدى قدرات قوى لبنانية محلية على تغيير هذا الواقع، لذا عليها انتظار ما ستحمله التطورات العالمية والإقليمية القادمة، لمعرفة ما اذا كان باستطاعة لبنان الخروج من محور الممانعة سالما، ويعود الى سياسة "ضعفه في قوته"، التي يؤمن بعض اللبنانيين بفاعليتها، والتي قضت عليها التطورات التي عصفت بلبنان والمنطقة منذ عشرات السنين، والاكتفاء بتفعيل ماكيناتهم الانتخابية لمعرفة حصصهم في الانتخابات النيابية في أيار عام 2018، اذا ما سمحت الظروف الإقليمية بإجرائها .