باتت كل المستجدات او بالاحرى الانقلابات السياسية تمر في لبنان مرور الكرام وخاصة بعد المصالحة التاريخية والتي تمت من دون أي مقدمات بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، وما تلاها من تبني ترشيحه للرئاسة وصولا لتحول تيار "المستقبل" و"التيار الوطني الحر"، العدوّين اللدودين بالسياسة لأكثر من 20 عاما حليفين في الانتخابات النيابية المقبلة.
كل ما سبق جعل الخطوات الاولى التي خطتها علاقة "القوات" وتيار "المردة" الاسبوع الماضي تمر هي الأخرى مرور الكرام، علما ان ما فرّق الطرفين لعشرات السنوات لم يكن يوما خلافا بالسياسة والنظرة الاستراتيجية فقط، بل جراحا دموية وشخصية لم يعتقد أحد أن مرور الزمن سيشفيها. ما برر تلاقي القوات-الوطني الحر يبرر اليوم على ما يبدو مصالحة فرنجية–جعجع التي لا يُتوقع ان تتأخر، لا سيّما وأن الحديث بدأ بالعلن حول امكانية عقد تحالفات انتخابية في أيار المقبل، ليقفز بذلك الزعيمان المسيحيان خطوات كبيرة الى الامام على طريق تحقيق مصالح مشتركة متقاطعة في المرحلة الراهنة.
وتظلّل رئاسة الجمهورية والتي يُعتبر فرنجية وجعجع الى جانب باسيل أبرز المرشحين لتوليها بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي العماد ميشال عون، الحراك الحاصل، وان كان الاستحقاق النيابي هدفه الظاهري المُعلن، لتُصبح بذلك الانتخابات في دائرة بشري-زغرتا-البترون-الكورة أشبه بـ"مرحلة تأهيلية" للانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2022.
ولا يبدو ان أيًّا من الأطراف المسيحية وبالرغم من خلط الاوراق غير المسبوق الحاصل، قد حسم توجهاته النيابية، باعتبار ان الكل ينكب على دراسة القانون الجديد وكيفية التعامل مع النظام النسبي لكسب أكبر قدر ممكن من المقاعد النيابية. وفي هذا الاطار تكشف مصادر معنية ان "القوات" كما "الوطني الحر" و"المردة" لا يستبعدون اعتماد اي سيناريو لكسب المعركة في ايار المقبل وينتظرون تبلور الدراسات التي يُعدها خبراء متخصصون، ومن هنا كان قرار "بنشعي" فتح الباب لـ"القوات" وبالوقت عينه السعي لترطيب العلاقة مع بعبدا وان كان لم يتم حتى الساعة البناء على مصافحة فرنجية–عون (رئيس الجمهورية العماد ميشال عون) خلال اللقاء التشاوري الذي دعا اليه الرئيس من منطلق ان الفريقين لا يجدان نفسيهما معنيان بالمرحلة الراهنة بتقديم أي تنازلات تُذكر.
وتستبعد المصادر ان ينتهي الحراك الحالي الى جبهة مسيحيّة موحدة تشكلها أحزاب السلطة بوجه حزب "الكتائب" المعارض والمسيحيين المستقلين وأؤلئك الّذين ينتمون للمجتمع المدني، مرجحة سيناريو اتفاق فريقين على مواجهة آخر ثالث، على ان تتبلور هوية الفرقاء ومواقعهم مع اقتراب موعد الانتخابات.
ولعل الأغرب في ما هو حاصل، اقرار المرشحين الرئاسيين بانطلاق المعركة الخفيّة على الرئاسة المقبلة وسعيهم في الوقت عينه لمدّ اليد الى بعضهم البعض لاقتناعهم بأن المرحلة الحالية قد تتطلب تعويم الخصم لا اقصاءه بانتظار الوقت المناسب لتوجيه الضربة القاضية.