قبل أن يكون هناك مجتمع مدنيّ ووكالات أنباء تنقل صور المسؤولين الأوروبيين يذهبون إلى وزاراتهم بالمترو والدراجات الهوائية، كان هناك نائب غير كل النواب يستقل سيارة أجرة، أو أخرى عمرها عشرات السنين، إلى المجلس النيابي. وقبل أن يخرج الخبراء الانتخابيون بنصائحهم للمرشحين أن يلتقطوا صوراً لهم مع جرن الكبة وفي حلقات الدبكة، كان هناك نائب غير كل النواب يرسل صوره إلى وسائل الإعلام مع الصيادين وباعة الجلاب.
لعل هناك عدد كبير من النواب الذين لم يتورطوا في ملفات فساد، لكن هناك نائب لم يسرق ولم يستغل موقعه لتحقيق أي منفعة خاصة أو سمسرات جانبية. والأهم من هذا كله أنه لم ينقَد، تحت أي ظرف، إلى الخطاب المذهبيّ الموتور، ولم يحد يوماً عن المطالبة بالقضايا المحقة من خفض سعر رغيف الخبز إلى تحرير فلسطين. الرجل المدعو أسامة سعد لم يخضع لعمليات جراحية تجميلية، ولم تلقّنه متخصصة في تدريب السياسيين كيف يتحول إلى نجم إعلاميّ، ولا تجد فيه البرامج التلفزيونية «كاراكوزاً» يرفع نسبة المشاهدين، فهو من أولئك الذين يعتبرون الأوضاع مأسوية على مختلف الصعد، ولا مجال معها لـ«طق الحنك». أسامة سعد حفر في الصخر الصيداويّ أن التزلف لآل الحريري والخنوع والذل أمور ليست قدراً محتوماً، ويمكن هؤلاء شراء كثيرين واستقطاب كثيرين غريزياً أيضاً، لكن سيبقى هناك من يقول لا. لا مدوية قالها جزء كبير من صيدا في جميع الاستحقاقات، لكنها بقيت دون صدى. أما هذه المرة، فتؤمّن النسبية كل ما يحتاج إليه التنظيم الناصريّ.
ففي صيدا هناك 6 أفرقاء أساسيين، هم: تيار المستقبل، أسامة سعد، الجماعة الإسلامية، ورثة أحمد الأسير، رئيس بلدية صيدا السابق عبد الرحمن البزري وثنائي حزب الله – حركة أمل. أما في الجزء الآخر من هذه الدائرة الانتخابية المتمثل بقضاء جزين، فثمة خمسة أفرقاء أساسيين، هم: التيار الوطني الحر، ثنائي حزب الله – أمل، آل عازار، القوات اللبنانية والكتائب. ولا شيء ثابت حتى الآن غير تحالف حزب الله مع النائب السابق أسامة سعد، علماً بأن تعدّد القوى الوازنة يؤكد وجود معركة معتبرة في هذه الدائرة، أياً كانت التحالفات. ففي حال تحالف التيار الوطني الحر مع تيار المستقبل، سيكون هناك تحالف مضاد يتألف من أسامة سعد وحزب الله وحركة أمل وآل عازار وعدة عائلات جزينية أخرى، ولا تستبعد بعض المصادر أن يصار إلى تشكيل لائحة ثالثة في هذه الحالة تضم الجماعة الإسلامية والقوات اللبنانية، ولائحة رابعة عمادها ورثة الأسير في صيدا. أما في حال قرر التيار الوطني الحر التصالح مع موقعه السياسي والتحالف مع أسامة سعد الذي تجمعه به وثيقة تفاهم، فسيضمّ التحالف التيار وسعد وحزب الله، في مقابل المستقبل والقوات، ولا شك في أن هزيمة كبيرة ستلحق عندها بالحريريين. ويصعب من الآن تحديد موقف الرئيس نبيه بري، بوجود حليفه إبراهيم عازار، المرشّح الذي يصعب أن تضمّه لائحة التيار العوني الجزينية.
تسريبات «الوطنيّ الحر» تكرر التأكيد على أولوية التفاهم مع «المستقبل»، لكن علاقة الرئيس ميشال عون التي لم تنقطع يوماً مع آل سعد، والمعزة الشخصية الكبيرة المتداولة والاحترام الجزيني التاريخي الكبير لهذه العائلة والضرر الانتخابي المعنوي الكبير الذي يلحقه التفاهم مع المستقبل بالعونيين، كلها عوامل تجعل من الصعب التصديق أن التيار الوطني الحر سيتحالف مع فؤاد السنيورة ضد أسامة سعد. ففي الوجدان الجزيني حفر اسم الزعيم جان عزيز حليف معروف سعد لسنوات طويلة، وإن تنسى المدينة وقراها فلن تنسى تلك العائلة الصيداوية التي اعتادت أن تصطاف في بكاسين ولم تدر ظهرها لجزين، سواء قبل الغزو الاسرائيلي أو خلاله أو بعده. ففي جزين ــ التي أقفلت أبوابها عن بكرة أبيها حين توفي مصطفى سعد عام 2002 ــ يرفع رأسه عالياً من يتحالف مع التنظيم الناصريّ، فيما سيكون مضطراً إلى الدفاع طوال الوقت عن نفسه من يتحالف مع آل الحريري.
وكان التيار الوطني الحر قد عبّر عن إرباكه الكبير هنا في عيد الفطر أخيراً، حيث اتجه عضو تكتل التغيير والإصلاح أمل أبو زيد إلى مجدليون لمعايدة آل الحريري، فيما اكتفى النائب زياد أسود بالاتصال بالنائب أسامة سعد لمعايدته، قبل أن يزور مفتيَي المدينة (السنّي والشيعي) ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ماهر حمود، علماً بأن المقرّبين من أبو زيد يسوّقون لنظرية تفيد بأن التيار الوطني الحر يضع فيتو على ترشيح المستقبل للرئيس فؤاد السنيورة ويقترح ترشيح شخصية أخرى أقل استفزازاً، والمستقبل يضع فيتو في المقابل على ترشيح التيار للنائب زياد أسود ويقترح ترشيح شخصية أخرى أقل استفزازاً. ورغم صولات الرئيس ميشال عون وجولاته في انتقاد الحريرية، يؤكد المقرّبون من أبو زيد أن انتقادات أسود الشديدة للحريريين تحول دون قبولهم بترشيحه، علماً بأن أسود نائب حزبيّ لا يهاجم أحد أو يهادنه من دون أوامر حزبية في هذا الشأن. والواضح في هذا السياق أن أبو زيد يعمل باكراً لاستبعاد أسود من اللائحة العونية، باعتبار أن مارونيّاً واحداً سينجح من هذه اللائحة، ومن مصلحته أن يكون المرشح الآخر إلى جانبه أضعف منه لا أقوى منه كحال النائب زياد أسود.
والمشاكل لا تقف بطبيعة الحال في هذه الدائرة عند البيت العوني، فلدى النائب أسامة سعد معضلة تستوجب الحل اسمها عبد الرحمن البزري الذي لا يأخذ الأصوات إلا من درب رئيس التنظيم الناصري، علماً بأن ما يجمع هذين البيتين أكثر بكثير ممّا يفرّقهما. وفي السياق نفسه، يمكن القول إن الجمهور العوني مطالب في صيدا – جزين أكثر من سائر الدوائر بالضغط على قيادته وإعلامها بالوسائل المناسبة أن أسامة سعد يشبههم ويستحق أن يكون حليفهم أكثر بكثير من الرئيس فؤاد السنيورة أو بهية الحريري أو أحد أبنائها.