يأمل اللبنانيون أن يدرك أهل السياسة عندنا دقة المرحلة وحراجتها، وإذا كانت «الأعجوبة اللبنانية» نجحت، حتى الآن، في تجنيب هذا البلد الصغير إنتقال «الربيع العربي» إليه، فليس لنا كبير فضل في هذه المعجزة، إنما هي العناية الإلهية، في تقديرنا، التي نجّتنا ولا تزال تنجّينا من التجارب... آمين!
وفي تقدير المراقبين أن المرحلة الآتية أكثر دقة وأشد خطورة، وأبعد مدى ممّا مرّ علينا حتى الآن. وذلك لأسباب عديدة منها الآتي:
أولاً - نحن في وسط عاصفة الخليج... وما بدر حتى الآن من فشل المبادرات الهادفة الى تحقيق التسوية بين الرباعي السعودي - المصري - الإماراتي - البحريني من جهة وقطر من جهة ثانية يحمل نُذر تداعيات سلبية لن يكون لبنان في منأى عنها مهما أراد النأي بالنفس... ذلك أنّ مصالح آلاف اللبنانيين، بل عشرات الآلاف منهم، مشتركة بين بلدين خليجيين على الأقل ودولة قطر. والخطر أن يكون عليهم أن يختاروا «بيننا وبين قطر» كما قال ويقول مسؤولون إماراتيون...
ثانياً - نحن في وسط العاصفة الخليجية، العربية تحديداً والدولية عموماً... وليس من باب المصادفة ان يقول الرئيس الأميركي، أمس، إثر إتصاله بثلاث قيادات عربية بارزة «إن المرحلة خطرة». فعندما يصف دونالد ترامب المرحلة بالخطرة يُفترض أنها كذلك فعلاً... وأمام هذه الخطورة قد يكون على اللبنانيين أن «يدبّروا حالهم» على القاعدة الذهبية المعروفة: «عند تغيير الدول إحفظ رأسك».
ثالثاً - يحدث أنّ هذه التطورات تتوافق مع تفاقم أزمة النازحين السوريين... وهي أزمة تزداد أثقالها التي تنيخ بها على الكاهل اللبناني المثقل أساساً بالأزمات والمشاكل التي لا يبدو أن لها حلولاً منظورة.
وفي هذه النقطة بالذات يمكن تسجيل الآتي:
أ - إنّ الأعباء والمضار المترتبة على النزوح السوري الى لبنان معروفة ومعترف بها داخلياً ودولياً وأممياً... إلاّ أنّ هذا الإعتراف يقف عند حدود محسوبة هي:
1 - لا توافق داخلياً في لبنان على مواجهة هذه الأزمة - المعضلة - القضية الكبيرة.
2- لا ضغوط دولية جدية لجهة توفير مناخ ملائم لعودة النازحين الى أرضهم.
3- لا إمدادات دولية - أممية جدية، فاعلة وكاملة، ليقوم لبنان بمسؤوليته إزاء هذه الأزمة، لذلك فهو يؤدي الواجب بـ»اللحم الحي» كما يقال.
4- الخلاف الداخلي (الرسمي والشعبي) حول التواصل مع النظام السوري (من سلطة الى سلطة) لن يؤدي إلاّ الى المزيد من التأزيم.
5 - هناك مساحات آمنة في سوريا، (باعتراف الأمم المتحدة وأوروبا) توازي 12 ضعفاً مساحة لبنان... والنازحون لا يعودون.
وعليه، سنة 1970 أقفلت سوريا الحدود مع لبنان إحتجاجاً على السياسة الرسمية من «الفدائيين» الفلسطينيين... فما كان من المرحوم العميد ريمون إده سوى أن توجه الى سوريا وقابل الرئيس المرحوم حافظ الأسد وطلب منه إعادة فتح الحدود... فاستجاب الأسد الأب.
... واليوم، وفيما يبدو متعذراً قيام حوار بين بيروت ودمشق على المستوى الحكومي للأسباب المعروفة فلماذا لا يتولى الرئيس عون الأمر مباشرة بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد، علّ هذا يكون «التخريجة». ولكن، وفي الأهمية، لماذا لا ترفع الحكومة مسألة النزوح برمتها الى مجلس الأمن الدولي لتحصل على قرار إلزامي بعودتهم (بموجب البند السابع)... وعندئذ يعرف من يبكي ممن يتباكى محلياً وإقليمياً ودولياً وأممياً رسمياً.