أعادت العملية العسكرية التي قام بها الجيش اللبناني في بلدة عرسال، بالبقاع الشمالي، أزمة النازحين السوريين إلى الواجهة من جديد، لا سيما مع تفجر السجال بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار حول الطريقة التي من المفترض أن يعود بها هؤلاء إلى الداخل السوري.
منذ بداية حركة النزوح السوري إلى لبنان، حصل الخلاف بين الأفرقاء السياسيين حول طريقة التعامل مع هذا الملف، لكن اليوم يمكن القول أن البحث عن طريقة مناسبة لتأمين عودتهم بات محل إجماع داخلي، بالرغم من الخلافات حول نقطة مفصلية تتعلق بالتواصل مع الحكومة السورية من عدمه.
على هذا الصعيد، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن وزراء قوى الثامن من آذار يتحضرون لطرح هذا الملف في جلسة الحكومة المقبلة، من منطلق أن الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والأمنية تفرض فتح قناة إتصال مع الحكومة السورية لتأمين عودة النازحين بأسرع وقت ممكن، لكن في المقابل لا تبدو قوى الرابع عشر من آذار متحمسة لمثل هذا الطرح بأي شكل من الإشكال، نظراً إلى أنها تعتبر أن الفريق الآخر يريد إستغلال الأحداث الأخيرة، لطرح ملف سياسي هو على الأكيد أكبر من قدرات لبنان على الإحتمال، مع العلم أن العلاقات اللبنانية السورية لم تنقطع والدليل أن السفير السوري علي عبد الكريم علي لا يزال يمارس مهامه.
بالتزامن، تشير المصادر نفسها إلى أن هذا الملف الخلافي لن يكون الوحيد الذي قد يطرح على طاولة مجلس الوزراء، بل يوجد ملف آخر قد تعمد قوى الرابع عشر من آذار إلى إثارته في المقابل، يتعلق بكلام أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله الأخير عن إستقدام مقاتلين من الخارج في حال إندلاع أي مواجهة مع إسرائيل، وبالتالي تتوقع أن تكون الجلسة حامية في حال لم يتم تبريد الأجواء قبل إنعقادها.
في هذا السياق، يوضح مستشار السياسات العامة والتواصل في وزارة الدولة لشؤون النازحين زياد الصائغ، في حديث لـ"النشرة"، أن هناك طرحان متداولان لعودة النازحين السوريين، لكنه يلفت إلى أن واحداً منهما لا علاقة له بالعودة بل بالخيار السياسي.
ويشير الصائغ إلى أن لا يمكن المخاطرة بعلاقة لبنان مع الشرعيتين العربية والدولية عبر الذهاب إلى خيار التفاوض مع النظام السوري، ويفضل أن تكون العودة من خلال القنوات الدولية التفاوضية، أي عبر الأمم المتحدة، لا سيما أن هناك مبعوث دولي خاص إلى سوريا هو ستيفان دي ميستورا وملف النازحين من ضمن مهامه، وأيضاً من الممكن أن تكون المفاوضات عبر "مسار" الآستانة الذي يضم تركيا وروسيا وإيران، ويشدد على أن الجميع في لبنان مع العودة، ولا أحد يصور أن هناك من لا يريد عودة النازحين، لكن لا يجب أن يكون ذلك عبر توريط لبنان بأجندة لا علاقة له بها.
في الجانب المقابل، تُصر مصادر سورية متابعة لهذا الملف، عبر "النشرة"، على تكرار المواقف السابقة التي أعلنت عنها دمشق، أي الإستعداد للتنسيق مع الجانب اللبناني لتأمين عودة النازحين إلى قراهم وبلداتهم، وتعتبر أن رفض بعض الأفرقاء اللبنانيين هذا الأمر يعود إلى الضغوط التي تمارس عليهم من قبل بعض الجهات الإقليمية والدولية التي لديها أهداف واضحة.
بالنسبة إلى المصادر السورية نفسها، هناك مصلحة لبنانية بالدرجة الأولى في المبادرة للإتصال بالجانب السوري لمعالجة هذه الأزمة، وليس هناك ما يحول دون ذلك إلا العناد والمكابرة، وتضيف: "الحل لا يمكن أن يكون من خارج قناة إتصال مباشرة بين الجانبين، وما حصل مع النازحين الذين عادوا من مخيمات عرسال قبل أيام الا دليلا على الإستعداد للمساعدة في هذا المجال".
في المحصّلة، أزمة النازحين السوريين نجحت في إعادة الإصطفاف السياسي السابق بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، بعد أن ظنّ الكثيرون بأنه بات من الماضي بعد إنجاز الإنتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة الحالية برئاسة سعد الحريري، لكن هل ينجح الأفرقاء اللبنانيون في التوصل إلى صيغة موحدة قادرة على معالجة هذه الأزمة؟.