لم يصفح رئيس الحكومة سعد الحريري عن عبد المنعم يوسف. لعنة ملف تلزيم كاميرات بلدية بيروت قبل سنوات ظلّت تلاحقه حتى أطاحته. رَفضُ يوسف تمرير صفقة الكاميرات، آنذاك، أنهى مستقبله.
هكذا تقرأ مصادر معنية بملف الاتصالات حكاية نهاية عبد المنعم يوسف. فقد رُفِع الغطاء عنه سياسياً، لكن بقي القرار بحمايته قضائياً للحؤول دون دخوله السجن، ولا سيما أن العقاب لم يكن على شبهات الفساد التي لاحقته، بل بسبب تمرده على وليّ نعمته، و«ربما كان ملف الغوغل كاش تركيبة لإزاحته»، على ما تقول المصادر نفسها، لذلك حوصر «الرجل القوي»، ولم تشفع له مظلة الرئيس فؤاد السنيورة وحدها. أمس، مُنِعت المحاكمة عن يوسف في ملف «غوغل كاش» لأن التسوية، بحسب المصادر، قضت بإزاحته، لا بسجنه. أما النتيجة، فتُقطف بتلزيمات الشركات المحسوبة على فريقه السياسي وخصخصة «أوجيرو»، وأول الغيث كان صفقة الـ«فايبر أوبتيك».
القرار الظني في الملف الذي أصدره قاضي التحقيق في بيروت فادي العنيسي منع المحاكمة عن يوسف وتوفيق شبارو وكابي سميرة وأصحاب الشركات بـ«جرم استمداد الإنترنت بصورة غير شرعية واختلاس المال العام، والإهمال في القيام بواجبات الوظيفة والتهرب من دفع الرسوم». وجاء في خلاصة القرار: فض الأختام عن المعدات المضبوطة في محلة المزرعة ــــ بربور في مبنى عائد للمدعى عليه توفيق حيصو وإعادة تشغيل النقطة المذكورة فوراً تحت إشراف «أوجيرو».
وفي اتصال مع «الأخبار»، كشف النائب العام المالي علي ابراهيم أنه استأنف القرار الظني الذي قضى بمنع المحاكمة عن يوسف، معتبراً أن هناك «شبهة في القرار باعتبار أنّ هناك إهمالاً وظيفياً ثابتاً قام به يوسف تسبب بهدر المال العام». ومن المفترض أن تبتّ الهيئة الاتهامية استئناف النيابة العامة المالية، فتثبته أو تفسخه. والجدير ذكره أن النيابة العامة كانت قد ادعت على كل من يوسف وشبارو وسميرة بأنهم «أقدموا على الإهمال بوظيفتهم، ما تسبب بإهدار المال العام والتهرّب من دفع الضرائب والرسوم عن طريق السماح لأشخاص باستمداد خدمات الإنترنت بطريقة غير شرعية مع علمهم بالأمر».
وبالعودة إلى وقائع القرار الظني، فقد بدأت القصة بعد «إذاعة تقرير تلفزيوني عن فضائح مالية في قطاع الاتصالات والإنترنت، فتحركت الضابطة العدلية لإجراء التحقيقات الأوّلية «وتبيّن بنتيجتها أن المدعى عليهم: توفيق حيصو المفوض بالتوقيع عن شركة «تي اش غلوبل فيجن»، وروبير صعب المفوض بالتوقيع عن شركة «ليباتك»، وإيلي مطر المفوض بالتوقيع عن شركة «سبايدرنت»، ومحمد محمود البيطار المفوض بالتوقيع عن شركة «بيطارنت»، وسركيس جوهرجيان المفوض بالتوقيع عن شركة «ريميني تيليكوم»، وعبد المنعم يوسف المدير العام لهيئة أوجيرو السابق، وتوفيق شبارو مدير تكنولوجيا المعلومات في الهيئة المذكورة، وكابي سميرة رئيس قطاع شبكات المعلوماتية في الهيئة، أقدموا بالاشتراك في ما بينهم على توزيع خدمة غوغل كاش، وهي خدمة توفّر الكثير من الميغابايت، وتعطي سرعة قياسية لاستخدام الإنترنت، بحيث بدلاً من أن تكون هذه الخدمة محصورة بهيئة أوجيرو وتباع علناً لمن يرغب وبصورة متكافئة تؤمّن مداخيل كبيرة للخزينة العامة، جرت الاستفادة منها بصورة مجانية لا تؤمّن أي مدخول للدولة، ثم بيعت لفترات طويلة بصورة حرمت الدولة من مداخيلها لمصلحة منفعة المدعى عليهم الذين اتفقوا على تقاسم مردودها المادي الكبير وجرى اختلاسه بصورة ممنهجة بدلاً من جبايته لمصلحة الدولة، كما تهرّبوا من تسديد الضرائب القانونية المترتبة على استعمال الخدمة المسروقة من قبلهم».
وتضمن القرار الظني سلسلة مراسلات بين الوزير بطرس حرب والمدير العام لأوجيرو تضمنت موافقة الوزير على كل خطوة كان يقوم بها يوسف، ولا سيما أن الوزير كان يشدد على مسألة خفض تكلفة الإنترنت على المشتركين اللبنانيين. إضافة إلى طلب النيابة العامة المالية من وزير الاتصالات منح الإذن بملاحقة يوسف وعدد من موظفي أوجيرو على خلفية كشف شبكة الإنترنت غير الشرعي. وعلق حرب في رده بالقول: «لم أقتنع في ضوء التحقيقات التي أجريتموها حتى الآن بأن المطلوب الإذن بملاحقتهم قد خالفوا القوانين أو أهملوا في أدائهم الوظيفي، ما أدى إلى هدر المال العام أو أنشأوا منظومة اتصالات خلافاً للأصول القانونية». وأضاف: «أؤكد عدم اقتناعي بجدية وصحة ما ينسب إلى المطلوب الإذن بملاحقتهم، مع التأكيد على أن الأفعال المبينة أعلاه والجاري التحقيق بشأنها قد تمت بعلمي، وبناءً على القرارات الصادرة عني كوزير للاتصالات». عقب ذلك، وجّه وزير الاتصالات كتاباً بموضوع «طلب السماح بإعادة تشغيل جهاز الاتصالات العائدة ملكيته للدولة اللبنانية وإعادة تشغيل نقطة تجميع حركة الإنترنت اللبنانية لاستخدامات المنصة العالمية Google، وإعادة تأمين الخدمة العامة المجانية Global Google Cache للمواطنين اللبنانيين ولشركات توزيع خدمات الإنترنت»، بعدما اعتبر أن إيقاف الجهاز المذكور ألحق ضرراً كبيراً بقطاع خدمات الإنترنت في لبنان، وتسبب بالتالي بتوقف خدمات الـ Global Google Cache المجانية للمشتركين والمواطنين اللبنانيين المتصلين عبر شركات توزيع خدمات الإنترنت. هكذا خلُصت إلى أن الخدمة العامة المجانية المقدمة من وزارة الاتصالات أوقفت بقرار قضائي؛ ما سمح للبعض من الشركات غير الشرعية باستغلال المشتركين اللبنانيين وبيعهم هذه الخدمة، لكن بأسعار عالية جداً، وخلافاً للقانون، محصلة بذلك أرباحاً مالية طائلة على حساب مجانية الخدمة المؤمنة من وزارة الاتصالات، وعلى حساب الاقتصاد الوطني، وعلى حساب جيوب المواطنين اللبنانيين.
واعتبر قاضي التحقيق أن سائر ما جرى عرضه من وقائع ثابتة لا يثبت الأركان القانونية لجرائم استمداد الإنترنت بصورة غير شرعية واختلاس المال العام والتهرب من دفع الضرائب والرسوم مع العلم بالأمر. واستطراداً انتفاء الأركان القانونية لجرائم الإهمال بالوظيفة والتسبب بهدر المال العام والتهرب من دفع الضرائب والرسوم عن طريق السماح لأشخاص باستمداد خدمات الإنترنت بطريقة غير شرعية مع العلم بالأمر، ليخلص إلى أن ذلك يوجب منع المحاكمة عن المدعى عليهم: توفيق حيصو بصفته الشخصية وبصفته مفوضاً بالتوقيع عن «تي اش غلوبل فيجن»، وروبير صعب بصفته الشخصية وبصفته مفوضاً بالتوقيع عن «ليباتك»، وإيلي مطر بصفته الشخصية وبصفته مفوضاً بالتوقيع عن «سبايدرنت»، ومحمد البيطار بصفته الشخصية وبصفته مفوضاً بالتوقيع عن «بيطارنت»، وسركيس جوهرجيان بصفته الشخصية وبصفته مفوضاً بالتوقيع عن «ريميني تيليكوم». كما قرر منع المحاكمة عن المدعى عليهم: عبد المنعم يوسف، توفيق شبارو وكابي سميرة. وتبعاً لما تقدم، طلب فضّ الأختام عن المعدات المضبوطة في محلة المزرعة ــــ بربور في الطبقة الحادية عشرة من مبنى ستار سنتر العائد للمدعى عليه حيصو فوراً وإعادة تشغيل النقطة المذكورة فوراً تحت إشراف هيئة أوجيرو.