البعض في لبنان، يتوهّم أنّ ملف النازحين السوريين، لا يزال صالحاً للاستخدام في الضغط على الدولة السورية في حين أنّ هذا الملف، كما غيره من الملفات والمزاعم التي تمّ إنتاجها وفبركتها، صار عبئاً على مستخدميه، وبالتالي فإنّ إصرار وزراء وأفرقاء لبنانيين على إبقائه عالقاً، ينطوي على تصرّف غير مسؤول، خصوصاً في ظلّ الحديث عن تحوّل النازحين السوريين الى عبء أمني على لبنان، بعدما ارتفعت أعداد الذين تعتقلهم الأجهزة الأمنية اللبنانية وهم يحملون صفة نازحين وينتمون للمجموعات الإرهابية، وقبل أيّام اعتقل الجيش نحو ثلاثمئة من هؤلاء في عملية عرسال النوعية.
بناء على ما تقدّم، صار لزاماً أن يسلك ملف النازحين طريق الحلّ، لكنّ مفتاح الحلّ هو بيد الحكومة اللبنانية، وهي مطالبة بأن تبادر إلى الاتصال بنظيرتها السورية لبدء المعالجة الفعلية وإيجاد الحلول. لكن حتى الآن، لا يبدو أنّ الحكومة تريد حلاً لهذا الملف، لأسباب غير منطقية. وواضح أنّ هناك فريقاً في الحكومة ينتظر إشارات خارجية، في حين أنّ الخارج المشغِّل لهذا الفريق منشغل في قضايا أخرى وملفات كثيرة، وبعض هذا الخارج، وتحديداً الدول الخليجية، منشغلٌ بأزماته البينية التي تأخذ منحى تصاعدياً، ولذلك فإنّ حكومة لبنان لن تتخذ قراراً بخصوص إنهاء ملف النازحين، علماً أنّ الأمم المتحدة التي رعت عمليات النزوح السوري منذ بدء الحرب على سورية لغايات معروفة، بدأت بتقليص مساعداتها ولم تعُد تقدّم للنازحين الحوافز ذاتها، وبالتالي، فإنّ هذا سيضغط كثيراً على لبنان، وسيضع الحكومة اللبنانية شريكة في هذا الضغط الذي سيُلقي على القوى العسكرية والأمنية أعباء إضافية!
ما هو معلوم، أنّ سورية وفي ظلّ اشتداد الحرب عليها، أبدت كلّ استعداد لإعادة مَن نزح من مواطنيها إلى لبنان، وفي المقابل هناك مصلحة للبنان في أن لا يبقى ملف النازحين عالقاً، وهناك مصلحة مشتركة للبلدين في إنهاء هذا الملف.
وانطلاقاً من المصلحة المشتركة، جاءت مطالبة رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير علي قانصو للحكومة بأن تبادر إلى الاتصال بالحكومة السورية لمعالجة هذا الملف. وقد سُجِّل هذا الموقف في جلسة الحوار التي دعا إليها رئيس الجمهورية، وفي جلسة مجلس الوزراء التي عقدت أمس الأول، لكن هذه المطالب اصطدمت بعقليات متحجّرة، أصحابها مصابون بعقد نقص تجعلهم منفصلين عن الواقع، لدرجة أنهم لا يعترفون بوجود حكومة سورية!
أن لا يعترف هؤلاء بوجود حكومة سورية، فهذا من العجائب والغرائب… إنّها «الجعجعة» بلا طحن و«الفرعنة» المتهالكة.