ربما يستحقُّ سامي الجميل في المقاربة العامّة القول فيه إنه “الصوتُ الوحيد الصارخ في برية” هذا الوطن، وربّما قد يكون هذا القول في المقاربة التفصيلية كبيرًا على الرجل الذي يعتبره كثيرون مجرّد صوتِ نشاز وهاوي صنع حالة... وهالة.
أيًا يكن الرأي الصائب، الأكيد أن صغير آل الجميل يفلح في استيلاد شخصية جدليّة اعتادها اللبنانيون في الماضي القريب لكن ليس بهذه الشراسة.
خيط رفيع
قد يفوت الشيخ سامي أن بين الاعتراض الاعتباطي والمعارضة البنّاءة خيطًا رفيعًا. فتارةً تجده منطقيًا في ما يقول فالحًا في ما يفعل من باب تصويب بعض “هفوات” العهد ومن باب الإضاءة على مكامن الخلل انتخابيًا كان أم معيشيًا، وطورًا تجده “فايق ورايق” يلجأ الى تمضية أوقات فراغه في “التكتكة” على بعض المواضيع وفي تصوير فيديو من هنا ونشر تغريدة من هناك.
آخر صرعاته سؤال!
آخر صرعات الشيخ سامي سؤالٌ شغل اللبنانيين والسياسيين وأجبر وزير الداخلية نهاد المشنوق على الإجابة و”فضح” بعض التدخلات السياسية بالقضاء، ما استدعى ردًا من وزير العدل سليم جريصاتي. لا تكمن الحكاية في مضمون السؤال المشروع للجميل عن إطلاق سراح مطلقي الرصاص ابتهاجًا بتدخل سياسي، بل في الصورة التي يريد الشيخ الصغير أن يعكسها عن نفسه أو تلك المُرادة له من بعض ناصحيه والمتحوّقين حوله.
يحبّ الأضواء!
ماذا يريد سامي الجميل في الواقع؟ لراصد خطاب الرجل حتى منذ ما قبل تسلُّمه رئاسة حزب الكتائب أن يفهم أن الجميل الابن يحبُّ الأضواء وهي على ما يبدو تحبُّه رغم أن هناك انقسامًا حادًا
حول قدرة احتمال نبرة صوته التي يرى فيها بعضهم رتابة خدّاشة فيما يجدها آخرون مفعمة بالتأثير، هذا بغض النظر عن المضمون الذي يترنّح بين مواضيع وملفات شتى. القول إن خطاب سامي الجميل منذ سنوات حتى اليوم لم يختلف قد يبدو ضربًا من ضروب “التبخير”، والقول إن خطابه يتبدل كلّ يوم قد يبدو ضربًا من ضروب “التبخيس”. في الوسط يتموضع الشاب، يبدو لوهلةٍ متصالحًا مع طروحه حتى الاستفناء من أجلها لدرجة أنه أخذ على نفسه، في خطوةٍ وجدها حتى بعض مقرّبيه وأبناء حزبه “تافهة”، التصويت في جلسة انتخاب الرئيس العماد ميشال عون لثورة الأرز التي دفنها أصحابُها أنفسهم. كانت تلك “الانزلاقة” الأولى للرجل في العهد الجديد. حاول سامي تصويب الأمور بالتصويت لصالح تكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة، خفت صوتُه في تلك المرحلة قبل أن يعود ويرتفع يوم اكتشف أن حزبه مهمّشٌ في حكومة استعادة الثقة.
في قواعد الاشتباك
مضت أيام. تجدّدت الاشتباكاتُ في الاستشارات الحكومية. كان على سامي أن يجد نفسه في قواعد الاشتباك. وقف وحيدًا باحثًا عن شريك. لم يجده. عاد و”لكّ” الى القصر. علم يومذاك أن رئيس الجمهورية حارب من أجل إشراكه في الحكومة ورفض تهميشه. بدا سامي واثقًا بأن عون لن يخذله وهو ما دفعه في غير لقاء ومقابلة الى رمي أمل كبيرٍ على رئيس الجمهورية بأن يكون “بيّ الكل” معلنًا انفتاحَه على من لم يصوّت له في جلسة انتخابه. انتهت الاستشارات وانتهى معها حلمٌ كتائبي بالمشاركة بعدما رفض الجميل حقيبة دولة. بدا محقًا آنذاك بالمقارنة مع كتلٍ “تنفّخت” حصتُها الحكومية فيما لا تزن برلمانيًا وشعبيًا بقدر ما يزن الكتائبيون. اختلف خطاب الصيفي فجأة. ما عادت الحكومة تمثل الكتائبيين وما كان في الأساس لهم شرف المشاركة فيها. بلع راصدو التناقض “الموسى” على مضض، وقالوا في قرارات أنفسهم بعدما وعدهم سامي بمعارضة شرسة: “تنشوف شو بدو يطلع من أمرو".
"مش قاريينو"
تمضي أيام، تصيب الحكومة لا يهنّئها سامي، تخطئ الحكومة يضربها سامي، وفي كلتا الحالتين يبدو بعص الأفرقاء المشاركين في الحكومة “مش قاريينو”. يعيد الشاب تموضعه. له الحقّ في ذلك. ينفتح على أشخاص “ضعفاء” سياسيًا. لا يفهم محيطوه ما الفائدة من تلك الخطوة. يهيكل حزبه باستقطاب مستشارين جدد منهم من يخدمه ومنهم من “يرفع سقفه” ظنًا منه أن بالصراخ ورصف الكلام تُصنَع معارضة. يقترب هؤلاء من تشويه ما بناه سامي بجهدٍ خاص رغم أنه وريثٌ سياسي لكن يمتلك مقوّمات القائد. ربما يصيب بعض القائلين إنّ علّة سامي في بعض المحيطين به الذين
يأخذون من حزب الكتائب أكثر مما يعطونه. لا يهمّ. فسامي هو سامي وما يريد قوله يقوله بنفسه لا ببعث رسائل عبر فلان وعلتان.
سامي الجديد
تتوسّع رقعة معارضة الرجل. يكثّف إطلالته. يكلّف كتائبية مخلصة شديدة المهنية والمتابعة إخطار الإعلاميين بكل مواقفه ومؤتمراته الصحافية في مرحلتي الـ”قبل” والـ”بعد” على السواء. يلامس هموم الناس أكثر فأكثر، يحاكي المجتمع المدني. يشاركهم القول والفعل والشارع، يستقبل النقيب نعمة محفوض عشية التحرّك المطلبي في تكريس لصورةِ “مدنية” معارضته. يفعل أي شيء قد يسرق من محبيه وغير محبيه كلمة “برافو سامي”... لكلّ ما سبق قد يبدو سامي المتماهي الأكبر مع ما يريد الناس سماعه حتى لو بقي ذا مفعولٍ نظري ومجرّد كلام في الهواء، مستفيدًا من بعض هفوات الحُكم ومن حريّةٍ مَنحه إياها واقعُ بقائه مغردًا وحيدًا خارج سرب السلطة. ربما يصيب الشيخ سامي اليوم من دون أن يضمن الغد، وربما يستنفد كلّ أوراقه طالما أن الخسارة التي قد يُمنى بها انتخابيًا وحكوميًا لا يعوّضها إلا الصراخ الاعتراضي ممنهجًا كان أم اعتباطيًا...