عاد ملف ترسيم حدود لبنان البحرية مع فلسطين المحتلة ليحتل واجهة الحركة السياسية في لبنان لما له من أهمية بالنسبة للبنان من الناحية الاقتصادية حيث يتوقف على انجاز الترسيم حفظ حقوق لبنان في مياهه الإقليمية التي أكتشف فيها ثروات مهمة من النفط والغاز، وهو بأمس الحاجة للإسراع في استغلال هذه الثروات لإخراج اللبنانيين من أزماتهم الاقتصادية والمالية التي تفاقمت في الفترة الأخيرة بعدما تجاوز الدين عتبة الـ 75 مليار دولار، فيما الأزمات في محيطه العربي أدت إلى التأثير سلباً على صادراته الزراعية والصناعية مما انعكس تراجعا في معدلات النمو المتراجعة أصلا.
على أن التحدي الأكبر الذي يواجه لبنان يكمن في حماية حقوقه ومنع «إسرائيل» من التعدي عليها أو ممارسة اللصوصية لسرقة جزء من ثروة لبنان من النفط والغاز، وبالتالي خلق أزمة تجعل الشركات الأجنبية المستثمرة تحجم عن البدء بالاستثمار في البلوكات اللبنانية التي تقع في محاذاة الحدود البحرية اللبنانية الفلسطينية. بما يمكن «إسرائيل» المحتلة لفلسطين وأجزاء من أراض لبنان، من تأخير وتعطيل عملية بدء لبنان في استخراج النفط والغاز، وبالتالي منع لبنان من منافستها في تسويق وتصدير هذه الثروة المطلوبة من الدول الأوروبية والصين واليابان على وجه الخصوص باعتبار هذه الدول من أكبر المستهلكين لهذه المادة الحيوية.
في هذا السياق سارع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، إلى طرح استراتيجية لبنانية لمواجهة هذا العدوان الإسرائيلي على حقوق لبنان، وهذه الاستراتيجية تعتمد معادلة ردعية توظف فيها كل أسلحة القوة التي يملكها لبنان لمنع «إسرائيل» من الاستمرار في سياسة إعاقة تثبيت حقوق لبنان في مياهه الإقليمية، استعداداً للبدء في عمليات استثمار ثروته استخراجاً وتسويقاً، بعد أن أنجز التحضيرات القانونية والإدارية ووضع الملف على سكة التنفيذ في أعقاب وصول الرئيس ميشال عون إلى سدة الرئاسة، وتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة والاتفاق على قانون جديد للانتخابات وإقراره في مجلس النواب، مما أعطى ملف النفط قوة دفع جديدة للقيام بعمليات التنفيذ التي تأخرت طويلا بسبب الأزمة السياسية التي كانت تعصف بلبنان في السنوات الماضية.
المعادلة الجديدة التي رسمها رئيس مجلس النواب للجم العدوانية واللصوصية الصهيونية تقوم على قاعدة «لا تنقيب في المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة قبل أن يقوم لبنان بعملية التنقيب في مياهه».
ومن المعروف أن لبنان له باع طويل في مواجهة مثل هذه العدوانية والأطماع الصهيوينة. بعد إجبار جيش الاحتلال الصهيوني على الرحيل مهزوما أمام المقاومة عام 2000، خاض لبنان معركة تحديد نقاط الخط الأزرق على الحدود البرية، وأحبط كل المحاولات الإسرائيلية لتجاوز حقوق لبنان،الذي ثبت أيضا موقفه بأن هذا الخط للحدود إنما هو خط مؤقت، وأن للبنان حقوق وأراض لا تزال محتلة ولن يتنازل عنها، ومن حقه الاستمرار في مقاومته لاستعادتها.
واليوم يملك لبنان أسلحة قوة تعزز موقفه وتمنع الخطة الإسرائيلية، عبر الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، التي تستهدف جعل جزء من حقوق لبنان البحرية منطقة متنازع عليها، تماما كما تفعل «إسرائيل» بالتعاون مع واشنطن بالنسبة للقدس المحتلة والضفة الغربية بعد أن حصلت على اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بها بموجب اتفاق أوسلو.
وأهم أسلحة القوة التي يملكها لبنان هي الموقف الرسمي والشعبي الموحد خلف الجيش والمقاومة، في رفض التنازل عن حقوقه في مياهه الإقليمية، وعلى لبنان عدم قبول الوساطة الأميركية المنحازة إلى جانب «إسرائيل»، وكذلك عدم الركون إلى موقف الأمم المتحدة خصوصا بعد أن أصبح نائب الأمين العام السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة داني دانون. حيث تسعى الأمم المتحدة وواشنطن إلى تمرير تسوية لمصلحة «إسرائيل» تقوم على ترك ما سمي بالمنطقة المتنازع عليها، وهي منطقة لبنانية خالصة، لتكون منطقة خلافية يتفق على إيجاد حل لها عبر المفاوضات، وهو ما شكل مضمون حركة الدبلوماسي الأميركي السابق فردريك هوف واقتراحاته لتسوية بضمانات أميركية من خارج آليات عمل الأمم المتحدة. التي لا تزال بدورها خاضعة لتأثيرات الهيمنة الأميركية والضغط الإسرائيلي. اللذين تجسدا مؤخرا في إجبار منظمة الاسكوا على سحب تقرير أممي يصف «إسرائيل» بنظام الفصل العنصري.
من هنا فان المعادلة التي طرحها رئيس مجلس النواب نبيه بري معادلة تستند إلى مقومات قوة حقيقية يملكها لبنان في مواجهة الأطماع الصهيونية في ثرواته، لكن ما هو مطلوب هو تظهير هذه المعادلة بمنع «إسرائيل» من التنقيب واستخراج النفط والغاز في المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة، قبل أن يبدأ لبنان بدوره في عملية التنقيب واستخراج ثروته في مياهه من دون أي انتقاص، وذلك عبر إعلان موقف رسمي رئاسي وحكومي يرفض أي مساومة على حقوق لبنان، أو القبول بجعل جزء من هذه الحقوق موضع نزاع. وتأجيل البت بها. وعلى لبنان أن يأخذ العبرة في ذلك من المفاوضات التي تمت برعاية الأمم المتحدة عشية تحديد الخط الأزرق على الحدود مع فلسطين المحتلة، والتي أبلى فيها لبنان بلاءً حسناً في الدفاع عن حقوقه وتثبيتها. فـ «إسرائيل» لا تفهم سوى لغة القوة، ولا يمكن ردعها ووضع حد لأطماعها في ثروات لبنان النفطية، إلاّ عبر معادلة الردع التي استخدمها لبنان للاستفادة من مياهه في نبع الوزاني، على أثر تحرير الجنوب والتي كانت تسرقها «إسرائيل».