المشكلة الكبرى في بعض سياسيينا وأحزابنا أنهم قد تعوّدوا أن ينظروا إلى قضية الصراع مع العدو «الإسرائيلي» على أساس المنطق القديم.
وبعبارة أخرى، وفق مقولة «قوة لبنان في ضعفه». وهي مقولة خاطئة ومضللة بالكامل. هؤلاء مصرّون على مواقفهم المنطلقة من أغوار عقلهم الباطن على أنّ لبنان بلد ضعيف وبالتالي يهابون أي تهديد «إسرائيلي»، ويلقون باللائمة على كل من يتحرّك في وجه هذه القوة الغاشمة التي تدعمها أقوى دولة في العالم وهي الولايات المتحدة الأميركية، وينعتونه بأقذع العبارات، لأنّه يضع لبنان كله في مرمى النار الحارقة والعواصف العاتية، بحسب زعمهم. هؤلاء يُغمضون أعينهم عن التطورات التاريخية كلّها، والإنجازات كلّها التي حققتها المقاومة بتضحياتها، وجعلت لبنان بلداً قوياً يمارس الرّدع ويتوعّد الأعداء الصهاينة بالردّ القاسي إنْ أقدموا على أيّ حماقة.
مؤخراً وعلى ضوء الاتهامات «الإسرائيلية» بأنّ حزب الله يبني مصانع للأسلحة، هاجت أقلام، وانطلقت ألسن مولعة بالحذلقات اللغوية، تخوّف اللبنانيين وتحذّرهم من تصرّف حزب الله.
عيب هؤلاء المنهزمين في أعماق نفوسهم، أنهم يريدون إبقاء لبنان ضعيفاً. والقضية لا تتعلق بحزب الله وحده إنْ صحّ أنّه يبني مصانع، بل حتى لا يريدون الجيش اللبناني قوياً، وليسوا مستعدّين أن يوفّروا له غطاء سياسياً وسبيلاً مادياً للحصول على ما يجعله رادعاً ومهاباً وعصياً على الكسر.
هؤلاء يسوؤهم أن يمتلك حزب الله صواريخ متطوّرة تصل إلى كلّ نقطة في فلسطين المحتلة في إطار معادلة الردع. ويسوؤهم أن يجعل حزب الله البلد قوياً حصيناً منيعاً لا تستطيع «إسرائيل» أن تشنّ حرباً عليه لأنها ستُدمَّر هي أيضاً.
حقاً، إنّه لأمر عجيب أن لا يتمنى هؤلاء الذين ينتمون قهراً لهذا البلد أن يكون وطنهم قوياً! وقد أصبح بفعل المقاومين وأفراد الجيش اللبناني شريكاً في معادلات المنطقة ومؤثراً في توازناتها وليس أرضاً رخوة تلعب فيها «إسرائيل» كما تشاء. فما الضير أن نمتلك طائرات ودبابات وكل تكنولوجيا حديثة لمنع العدو من أن يدنّس أرضنا أو يفكر بالاعتداءات علينا؟
إنّ الخطابات الرنّانة عن السيادة والاستقلال لا تظهر لها ترجمة عملية عند هؤلاء، بل تبقى في إطار المزايدات الشعبوية. وكل ادعاء عن رغبتهم في أن يكون لبنان قوياً لا يمكن وضعها إلا في إطار الأماني الكاذبة.
فأن تكون وطنياً عليك أن تبذل، كل ما بوسعك لتبني قوة تجعل العدو يهاب الاعتداء، وأن تكون مسلماً أو مسيحياً يجب أن تواجه اللصوص وتُعدّ ما استطعت من قوة لترهب بها أعداء الله والإنسان.
لقد كان قدماؤنا يعتقدون بضعف لبنان أمام قوى الاستعمار وأمام «إسرائيل». أما اليوم وأمام مشهد البطولات والإنجازات والانتصارات التي يحققها أبطالنا في المقاومة والجيش، فإنّه لا مكان للضعف، ولا مكان للهزيمة، ولا مكان للتراجع، بل حركة دؤوبة وعلى كلّ المستويات لنجعل من لبنان الصخرة التي تتكسّر عليها أرجل المعتدين!