يؤشر انتصار العراقيين على "​داعش​" وتحرير ​الموصل​ إلى بداية نهاية التنظيم الإرهابي في نسخته المشرقية، والتي ستكون حافزاً للسوريين للانتهاء من ظاهرة "داعش" في سوريا، علماً أن السباق لوراثة الأراضي التي يحتلّها "داعش" اليوم في سوريا وملء الفراغ الذي سيخلّفه انتهاء "داعش" يشكّل المعركة الجدّية للمحاور المتصارعة.

بعد نهاية "داعش" في المشرق، ما هو مصير هذا التنظيم الإرهابي؟ وهل سيتمّ استخدامه في مناطق أخرى كما تمّ استخدامه في العراق وسوريا؟

بداية، يجب الإشارة إلى أنه من الواضح أن "داعش" وسواه من المجموعات الإرهابية، مازالت وسيلة ممتازة للاستخدام في تقويض استقرار الدول، بهدف اخضاعها وتفتيتها، أو بهدف إغراق الجيوش والمجتمعات في معارك لا طائل لها تستنزف كل طاقتها البشرية والمادية والنفسية، لذا لن تكون نهاية "داعش" هي نهاية الإرهاب العالمي، بل إن انتهاء وظيفة "داعش" في ساحة من الساحات ستؤدي إلى إعادة تصدير الإرهابيين إلى أماكن أخرى لوظائف ومهام أخرى.

ويمكن القول إن نشاط التنظيم الإرهابي قد يتحوّل إلى شمال أفريقيا، لدعم "بوكو حرام"، خصوصاً المنطقة الحدودية بين الكاميرون وتشاد ونيجيريا، وآسيا الوسطى، لاسيما في أفغانستان، حيث ينشط التنظيم منذ 2014 باسم ولاية خراسان، وجنوب الفليبين، حيث تعمل جماعة "أبو سيّاف".

وفي كل من المناطق المذكورة أعلاه، يمكن أن تستفيد الدول الكبرى من وجود "داعش" ومحاربته، لكننا سنركّز في ما يلي على أهمية ووظيفة تحوّل "داعش" إلى أفغانستان:

يعمد "داعش" - أفغانستان، أو ما يسمى "ولاية خراسان"، منذ فترة إلى شنّ هجمات إرهابية متكررة على العديد من المناطق، خصوصاً على المراكز الدينية الشيعية، بالإضافة إلى تصعيد خطابه ضد الحكومة، ومحاولة توسيع نفوذه على حساب "طالبان"، واتهامها بالكفر.

ولعل وجود "داعش" وتمدّده في ما يسمى ولاية خراسان، يحقق أهدافًا عدّة، منها:

أولاً: محاولة تقويض الاستقرار والأمن في إيران، وذلك عبر تغلغل "داعش" في مناطق البلوش (بلوشستان)، والتي تتوزع اليوم بين ثلاث دول: باكستان وأفغانستان وإيران. وتشير التقارير المختلفة إلى أنه ومنذ مطلع القرن العشرين والحركات القومية البلوشية تحاول أن تؤسس دولة مستقلة لها في بلوشستان، واتخذ الصراع طابعاً مذهبياً بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران عام 1979، ويتغلغل "داعش" وبعض المجموعات الإرهابية في تلك المناطق، مستغلين الحاجة والفقر والدِّين لتجنيد المقاتلين، خصوصاً ضد إيران.

ولعل ما يزيد أهمية الأمر، اكتشاف حقول نفطية تحتوي على مخزون هائل من الغاز الطبيعي في منطقة بلوشستان، ووقوعها على طول المسار المقترح لخط "أنابيب السلام"، والمصمَّم لنقل الغاز الطبيعي من إيران إلى الهند عبر باكستان، وهو ما يغري "داعش" للسيطرة عليها كما سيطر على حقول النفط في سوريا والعراق وليبيا في وقت سابق.

ثانياً: يمكن لولاية خراسان (داعش أفغانستان) أن تُستخدم كما تمّ استخدامها في العراق؛ لزيادة الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وبالتالي إعادة نشر قوات أميركية في ذلك البلد، لما لتلك المنطقة من أهمية حيوية في الصراع الجيوسياسي؛ الأميركي - الروسي والأميركي - الصيني.

ثالثاً: يمكن لتمدد "داعش" (خراسان) في دول آسيا الوسطى، والتي تعاني من مشاكل عديدة منذ التسعينات بعد بروز حركات "الإسلام السياسي" الراديكالي، خصوصاً بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وإعلان الاستقلال، أن يؤثر سلباً على طريق الحرير الجديد، الذي تقوم الصين بإنشائه لتطوير التجارة بين الصين وأوروبا، مستخدمة التنمية كأداة لفرض هيمنة جيوسياسية اقتصادية في تلك المنطقة.

ثالثاً: تؤمّن ولاية خراسان عمقاً استراتيجياً للايغور المسلمين الصينيين، الذين يقطنون مقاطعة صينية تتمتع بنظام إداري خاص، تقع في أقصى شمال غرب البلاد، وتمرّ فيها طريق الحرير الجديد، علماً أن التقارير أشارت في وقت سابق إلى أن 5000 من الايغور الصينيين قد التحقوا بـ"داعش" في سورية في السنوات السابقة.

رابعاً: من شأن ازدياد نفوذ "داعش" في آسيا الوسطى أن يهدد الأمن القومي الروسي، وذلك لأن أمن روسيا مرتبط إلى حدّ بعيد بأمن جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، ولأن إغراء التطرُّف الديني قد يمتد كالنار في جميع جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز.

إذاً، انتهت وظيفة "داعش" في العراق، وعاجلاً ستنتهي وظيفته في سوريا، وسيتحوّل إلى مناطق أخرى يزرع فيها الرعب ويمارس التوحش ويقوّض استقرار الدول، خصوصاً في المناطق الاستراتيجية والنفطية.