لا يزال عين الحلوة ملاذاً آمناً لمشتبه فيهم متورطين في عمليات تفجير في الداخل اللبناني. يرفض هؤلاء تسليم أنفسهم، مثلما تفعل البيئة الحاضنة لهم التي لا تثق بالأجهزة الأمنية والقضائية للدولة اللبنانية، ولديها اقتناع راسخ بأنّ «معظم ملفات الإرهاب مضخّمة ومفبركة لأهداف مبيّتة ضد المخيّم».
تعزز ذلك تجارب عدة لموقوفين من أهل المخيّم رسّخت وجود «مظلومية» لدى معظم السجناء، رغم التجربة الأخيرة التي سعت فيها استخبارات الجيش لتسوية ملفات مطلوبين في محاولة لفتح صفحة جديدة مع عين الحلوة. أما اليوم، ورغم ترداد مقولة أنّ «ما قبل تسليم المطلوب خالد السيد ليس كما بعده»، في محاولة من الأجهزة الأمنية لإرساء معادلة جديدة جراء تسليم «عصبة الأنصار» المتهم الرئيسي بالإعداد والتنسيق لهجمات انتحارية في شهر رمضان الماضي. إلا أنّ فرضية أنّ تؤسّس عملية التسليم هذه لمرحلة جديدة في مخيم الشتات الأكبر ستخضع في المرحلة المقبلة لاختبار حقيقي، لا سيما أنّ ظروف تسليم السيد تختلف عمّا سواها، جراء الضغوط التي مارسها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم على القيادة السياسية لاثنين من أبرز فصائل المخيم.
فهل سيتولى التنظيم الأقوى في المخيم تسليم المطلوبين المتورطين في عمليات أمنية في الداخل اللبناني تباعاً؟ وهل تشهد الأيام المقبلة تسليم شادي المولوي وبلال بدر وبهاء الدين حجير وعبد فضة وتوفيق طه وفضل شاكر وغيرهم من المطلوبين؟ وهل تجرؤ قيادة «عصبة الأنصار» على أن تُقدِم على خطوة كهذه، رغم خروجها قبل أسبوع ببيان سياسي واضح يجزم بأنّ «العصبة لن تغطي أيّ متورّط في عمل أمني ضد اللبنانيين»؟
جولة بسيطة في أزقة المخيم تكشف أن حسابات قيادات الفصائل لا تنسجم مع مزاج أهل المخيم. الاستنفار على أشده في عين الحلوة. نفوس الأهالي مشحونة منذ الاشتباكات الأخيرة، والأعصاب مشدودة بين «الشباب المسلم» وتنظيم العصبة على خلفية تسليم السيد. فالتنظيم الأول يرى أن «العصبة ارتكبت جرماً عظيماً بتسليم شاب مسلم لدولة كافرة»، وكرّست «سابقة» من شأنها إشعال حرب داخل المخيم اذا ما تكررت. وتسعى الأجهزة الأمنية إلى إفراغ المخيم من المطلوبين الخطيرين عبر الضغط على الفصائل، لإجبارهم على مغادرة المخيم أو دفعهم إلى تسليم أنفسهم رغم صعوبة تحقق ذلك. فهل تمشي قيادة عصبة الأنصار في هذا النهج؟
جولة «الأخبار» في المخيم خلصت إلى أنّ قسماً من أهالي المخيم يستبعد ذهاب «العصبة» بعيداً في هذا الملف، كاشفين عن تبريرات قدمتها قيادة التنظيم الإسلامي تُظهر العكس. وفي هذا السياق، يقول أحد أفراد «الشباب المسلم» لـ«الأخبار» إن «قيادات العصبة تجهد لتبرير إقدامها على تسليم السيد». ويوضح أن «مسؤولين في العصبة يشيعون تورّط السيد في مسائل أخلاقية تبيح تسليمه»، لافتاً إلى أنّ هؤلاء تارة يُشيعون أنه تسبّب في كشف الخلية الأمنية المرتبطة بتنظيم «داعش» وتارة أخرى أنه مخبر لأجهزة الأمن اللبناني. ولدى الاستفسار عن سبب مطالبة الدولة اللبنانية به، يأتي الرد بأن «السيد تمرّد على الدولة اللبنانية وفتح على حسابه». ورغم الإشاعة بأنّ الأَولى كان قتله كي لا يُكرِّس تسليمه سابقة، إلا أن «الشباب المسلم» يؤكدون أن دور السيد لا يعدو كونه لوجستياً، وسط تكرار جيرانه في بسطة الخضر، التي كان يستأجرها مقابل ثلاثة آلاف ليرة يومياً، أنّه «كان مديوناً لهم ولم يكن يملك قوت يومه»، علماً بأنّ شقيق الموقوف السيد، طارق السيد، لم ينف انتماء شقيقه إلى «داعش» ولم يستبعد تورطه في عمل أمني، لكنه استعظم حجم التهم التي وُجِّهت لشقيقه.
وتروي شخصيات من «الشباب المسلم» أن «العصبة» اقتنعت بأن «تسليم السيد استثناء لن يتكرر». وتستعيد واقعة تسليم «عصبة الأنصار» المطلوب بديع حمادة قبل 15 عاماً (أعدمته الدولة اللبنانية بعد إدانته بقتل جنود من استخبارات الجيش)، مشيرة إلى أن «تسليم حماده خطيئة دفعت العصبة ثمنها كثيراً، ولن تسمح بأن تتكرر». غير أنّ مصادر أمنية ترى أنّ بوصلة عمل «العصبة» وخياراتها في المرحلة المقبلة حددتها في بيان رسمي أعلن صراحة «رفع الغطاء عن أي متورط في عمليات أمنية في لبنان». وكشفت المصادر أنّ «الفصائل باتت تعلم يقيناً أنّ استخدام المخيم منصة للانطلاق في عمليات تفجير ضد أهداف لبنانية سيرتدّ سلباً على كل المخيم».