تحتل الازمة السورية الحيز الاكبر من اصل الخلاف بين الدول الخليجية والاقليمية الواقعة على خط الاصطفاف بين المملكة العربية السعودية وقطر. فالانقسام السياسي حيال تدهور الاوضاع في سورية في الحسابات الغربية هو أول نتائج هذه الحدة الطارئة على العلاقات بين الدول الشقيقة. واللافت هنا ان سورية وتحديداً مسألة التخلص من النظام السوري والعمل على إسقاطه هي نقطة الالتقاء الوحيدة التي كانت تجمع الطرفين. واليوم تبدو سورية هي الخلاف الذي أطاح العلاقة فهل سيطيح أيضاً بمكامن الاتفاق على النظرة لهذا النظام؟
الخلافات بين السعودية وقطر لا تقتصر على العلاقات السياسية، بل هي نتاج التطورات الميدانية في سورية، عودة أراضٍ سورية شاسعة لحضن النظام السوري كانت الخلافات الحاصلة بين المجموعات المسلحة أحد أهم ما ساهم فيها. الأرض التي جمعت الجماعات المسلحة هي نفسها التي فرقتهم بمعنى آخر. لعب الصراع بين جبهة النصرة وداعش الممولتين والمدعومتين من قطر والسعودية، بالإضافة للأيادي التركية المسهّلة لكل التحركات المتطرفة على الجانبين دوراً أولياً في ترجمة الخلاف سياسياً ظهر الى العلن لحظة أمعن الأميركي بالتمسك بإنشاء دولة كردية على حساب المصالح التركية، فما كان من تركيا الا التوجه نحو التواصل مع موسكو والتقرّب من إيران رغم عدم تموضعها الواضح حتى اللحظة إلا ان الحضن التركي للقطريين بات أوضح من اي وقت مضى. وهو الحليف الذي يقلق الخليجيين أكثر من الحضور الإيراني، كما تبدو الأمور هذه الأيام.
التحدّي السعودي لتركيا والتصدّي التركي للأميركيين والسعوديين مع لعب الجميع على حافة الهاوية، حيث لا خيار سوى التوحّد في نهاية المطاف للخروج بمظهر مشرف لحظة التسويات الكبرى يضع التساؤل عن الموقف الأميركي من تفكك الحلفاء في هذا التوقيت على طاولة البحث المباشر.
ينوي الأميركيون مبدئياً تحسين العلاقات المباشرة مع الروس. هذا ما أعلن عنه الرئيس دونالد ترامب بعد لقائه الرئيس فلاديمير بوتين في هامبورغ، ايام على القمة وتبدو واشنطن متمسكة حتى اللحظة بهذا الخيار، يقول ترامب بالأمس أنه «بإمكان واشنطن وموسكو العمل معاً في سورية وفي قضايا أخرى كثيرة».. ويضيف أن «الهدنة في سورية مثال على نجاح التنسيق مع روسيا».
المرحلة التي تطلب تعاوناً أميركياً روسياً على ما يعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تبدو بعنوانها العريض آتية من الجنوب السوري لحساباته الخاصة بإسرائيل وأمنها. وهو الأمر الذي يدفع الأميركي للتقدم نحو روسيا من دون الأخذ بعين الاعتبار حسابات محلية أميركية آخرها محاولات عزل ترامب التي لا تزال تلاحقه عبر نواب ديمقراطيين تحرّك آخرهم أمس نائبان «بريد شيرمان» و«آل غرين»، بطرح مبادرة لعزل الرئيس بتهمة عرقلة سير التحقيق في ما يتعلق بكشف ملابسات التعاون المزعوم بينه وبين قادة روس.
الخلاف بين السعودية وقطر له تداعيات أساسية على شكل الحل السياسي في سورية، وإذا كانت الولايات المتحدة قد راهنت على نجاح المسعى السعودي بتنفيذ الخطة بتحجيم دور قطر وإخضاعها، فإن الوقائع أثبتت لواشنطن استحالة ذلك حتى الساعة. وها هو وزير الخارجية ريكس تيلرسون يصول ويجول بين الدوحة والعواصم الخليجية منها وإليها، بما يشبه المساعي لحلحلة الازمة، لا تجاهل قطر او عزلها، كما كان مفترضاً أن تكون خلال ساعات من اعلان الحظر عليها.
الموقف القطري بقي قوياً عند الأميركيين الذين أيقنوا حجم العلاقات التي نسجتها قطر مع الأوروبيين والتي يصعب تخطيها من جهة اضافة الى حلف قطري تركي قادر على إغناء قطر بهامش من الخروج عن الموقف العربي. وهو الأمر الذي يشكل خطراً على واشنطن، إذا ما زاد الشرخ وطال وقت الأزمة.
مسألة ابتعاد قطر عن الصف العربي يوماً بعد الآخر تشكل بحد ذاتها خطراً كبيراً لجهة منحها الاستقلال في المواقف السياسية التي تبعدها عن الخضوع لمنطق التسويات المقبلة وتجعلها أبعد من تحمّل مسؤولية ضرورة ظهور «وحدة الصف» كأحد الشعارات المرفوعة على الأقل في المؤتمرات الدولية الأخيرة.
المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا المهتم جداً بشكل المعارضة لا يزال يبحث عن صيغة ما لجمعها. وهو يرسل اشارات ايجابية غير موجودة فعلياً على الأرض. ولا شك في أن الأزمة الخليجية لعبت دوراً كبيراً في تفكك المعارضة السورية أولاً وتفكّك الحلف الأميركي في المنطقة ثانياً، وكل هذا يصبّ في مصلحة روسيا بطبيعة الحال.
امام واشنطن مشكلة جدية في ما يتعلق بالأزمة الخليجية التي تضع محورها في سورية أمام انهيار سياسي بعد الانهيار العسكري, واذا كان الامر يتطلب بدء مفاوضات جدية مع روسيا، فإن هذا يعني ان على واشنطن التركيز على إعادة اللحمة والتخلي عن الخطة التي كانت قد وضعتها مع السعوديين لتحجيم قطر ومعها تركيا. وما لهذا من تأثير على الملف الكردي مباشرة أي الوقوف عند الأمر الواقع في الميداني السوري والاقتناع بأن العودة الى الوضع السابق افضل وتوحيد الموقف سيكون أكثر إنتاجية.
مساعي تيلرسون تكشف أكثر ما اذا كانت واشنطن راغبة بتصحيح ما أفسده الرهان السعودي العالي السقف بشأن قطر.