خرج أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ليطلق خطاباً مغايراً عن ذلك الذي يقابل فيه المسائل المحلية، خصوصاً تلك الحسّاسة منها، وذلك في الخطاب الذي خصّصه في وقت سابق من هذا الأسبوع لتهنئة العراقيين بتحرير الموصل من تنظيم داعش. الخطاب هذا ليس بعيداً عن أجواء التقديم العسكري للحلف العسكري الذي يُعتبر نصرالله أحد أقوى قادته، فهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقتال ومعركة الإرهاب التي كان أول مَن لفت إلى استحالة فكّها عن بعضها بعضاً.
يحضر الحديث عن معركة تحرير عرسال بالتزامن مع تحرير الموصل، وهي عاصمة الدولة المفترضة للدولة التكفيرية ليصبح كلام نصرالله مادة مباشرة لإطلاق البحث في توفير أرضية واضحة عبر الأقنية الشرعية الرسمية، أي الحكومة اللبنانية التي يرأسها الرئيس سعد الحريري مطلباً أولياً في الأيام المقبلة. وهو الأمر الذي بدا بحسابات نصرالله محسوماً، بعد قوله بما مفاده إنها آخر المرات التي سيتحدّث فيها عن عرسال أو معركتها. موقف حزب الله العسكري تجاه تلك المنطقة وتوقيت إعلان العملية المقبلة يختصر بكلام نصرالله الذي جاء مباشراً أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يعني أن لحزب الله حسابات استراتيجية وعسكرية مدروسة لا تحتمل الاستخفاف السياسي المحلي اللبناني بالمسألة.
فرصة جدّيّة يريد أن يستغلها حزب الله بإعلان المعركة في جرود عرسال اللبنانية. وهي تتعلّق بخط الإمداد اللوجستي المنهار للجماعات الإرهابية المسلّحة من الموصل حتى سورية وصولاً للبنان حيث بدت العمليات الأخيرة مفيدة لجهة قطع أوصال المجموعات. وهو الأمر الذي يجعل مسألة المفاوضات معهم للاستسلام عالية النسبة.
وربطاً بمعارك الموصل ذكّر نصرالله بأهمية استغلال الفرصة والانتباه لعدم فتح المجال لعودة هؤلاء الإرهابيين إلى الأراضي المحرّرة. وهذه مسؤولية الجميع في العراق بالأخص أركان الدولة والحكومة العراقية. وهو الأمر نفسه الذي يبدو أنه يحيط الأجهزة الأمنية والرسمية اللبنانية فيه التي لم تتقدّم حتى الساعة بدعم الجيش اللبناني بفتح معركة مباشرة وواسعة مدعومة سياسياً لا تأتي على شكل عمليات بـ«التقسيط»، لأن الوقت لم يعُد يسمح بهذا وأن على الحكومة اللبنانية أن تدرك تماماً أن حزب الله ليس بصدد التماس أعذار قادرة على الإطاحة بفرصة استثنائية متزامنة مع انهيارات المجموعات المسلحة.
القلق الرسمي اللبناني الذي تمثّله الحكومة بشخص الرئيس سعد الحريري يعود لحسابات سعودية واضحة تجاه المجموعات المسلحة، ودورها فيها. الحريري الذي يبدو قلقاً من تصدّع العلاقة التي ما لبثت أن تصحّحت بعد ما شابها منذ وفاة الملك عبدالله ودخول السعودية بملفات انشغلت بها عن الساحة اللبنانية قلق أيضاً من لفت النظر الى مواقف تسبب له إحراجاً ولا يمكن تفسيرها أمام دعوات لدعم الجيش اللبناني في معركته. وعلى هذا الأساس كان له موقف منذ أيام هو أول من نوعه يُعطي فيه الدعم كله للجيش اللبناني بالتقدّم نحو الحسم هناك.
دعم الجيش اللبناني هو واجب على رئيس الحكومة اللبنانية في ظروف كهذه، حسب ما يقوله مصدر متابع لـ«البناء»، لكن الأهم أن لا يكون هذا الدعم كناية عن نيّة مسبقة لفصل مهمة الجيش عن حزب الله لئلا يفسّر أن حزب الله هو الذي قدّم هذا الإنجاز للبنان أو اللبنانيين من جهة، ومن جهة أخرى كي لا تُحسب على الحريري تغطيته تعاون ثنائية الجيش والمقاومة أمام مَن يُحسب لهم حسابٌ بالسعودية إضافة لواشنطن التي تظهر مؤخراً حرصاً على الدخول في واجهة مشهد مكافحة الارهاب عبر دعمها للجيش اللبناني بجزء من الأسلحة بالعامين الماضيين لتغطية اشتباكاته الحدودية. ويضيف المصدر «بدون أدنى شك، أحرج حزب الله بخطاب نصرالله الأخير الحكومة اللبنانية، لكن الأهم من هذا هو كشفه عن ساعة الصفر التي اقتربت في بتّ المعركة. وهذا سيعيد إلى الأذهان معركة عبرا في صيدا جنوب لبنان، وما نتج عنها إبان مرحلة الشيخ أحمد الأسير وأعوانه، حيث حسم الجيش القتال لمصلحته مع معرفة الجميع أن حزب الله شارك بالعملية، بكثافة يداً بيد إلى جانب الجيش اللبناني حتى نتج عنها ما نتج من حقائق وفضائح، إذا صحّ التعبير، حيث تورّطت فيها أسماء لبنانية وازنة بموقع المسؤولية».
إيجابية الحريري في إطلاق الدعم الرسمي للجيش اللبناني على طريقة «الإعلان»، من دون اجتماع فوري لبدء إجراءات تنفيذية وعملية مباشرة مع كل مَن يساهم في الاقتصاص من الإرهاب ليست إلا نوعاً من قطع الطريق على حزب الله، وعلى محاولة السيد نصرالله الإعلان عن ساعة الصفر للبدء بمعارك الجرود وتجيير الإنجاز لصالح الحزب، بحسابات الحريري على ما يبدو. هذا يعني أنه لا يزال مطلوباً من الحريري لعب دور مباشر على خط الأزمة السورية، في ما لو تقدم أي اعتراض من تياره على دخول حزب الله على خط المواجهة.
يعرف الحريري وتياره جيداً أن حزب الله الذي تدخل في سورية عسكرياً سيتدخّل حتماً ومباشرة في معركة الجرود، لا على طريقة الاشتباكات المتقطعة السابقة، إنما في معركة واضحة المعالم على مرأى ومسمع من كل القوى التي تابعت نشاطه في سورية. وهو الحزب اللبناني الذي يعتبر هنا أن الدفاع عن مناطق تشكّل خطراً على مواطنين لبنانيين في تلك المنطقة أشدّ دقة ومسؤولية عليه، وليبقى المشهد مسلطاً على احتمال تصعيد المواقف مع بدء معركة عرسال الأكثر ترجيحاً.