باستثناء أصحاب القرار المباشرين لا يملك أحدٌ أن يحدّد الساعة الصفر لإنطلاق معركة جرود عرسال. ولكن من المؤكد أنّ التنفيذ لن يتأخر كثيراً، وهو ينتظر أن تُسْتَنْفَد المفاوضات التي بدأت مباشرة اثر خطاب سماحة السيّد حسن نصراللّه الأخير، قبل أيام، بعدما تبيّن أنّ الإشارة التي صدرت على لسان الأمين العام، من أنها «المرة الأخيرة» التي يتحدّث فيها عن هذا الموضوع أكّدت على المؤّكد، وهو أن قرار «تطهير» (كما هو التعبير المعتمد) الجانب اللبناني في جرود عرسال من المسلحين هو قرار نهائي وحاسم، وأنه يحظى «بتأييد» كثيرين و«بتفهم» الآخرين، وان الخلاف ليس على المبدأ بل على التنفيذ: من يقوم بهذه «المهمة» الحربية؟ الجيش أو حزب اللّه؟ وهل استنفدت المفاوضات؟
وإذا كان تحديد لحظة إنطلاق المعركة محصوراً بقيادة حزب اللّه وربما بشخص سماحة السيد نصرالله شخصياً، فمن الواضح أن كل ثانية قد تكون تلك اللحظة. أي انه يتعذر توقع مرور الأسبوع الجاري من دون حصول «المقدّر المحتوم». علماً أنّ هناك من يقول أن مَن يتولون التفاوض غير المباشر، خصوصاً بين حزب الله والنصرة، واستطراداً بين الحزب وداعش، لم يقطعوا الأمل بعد من توصل مساعيهم الى محطة إيجابية وهي لن تكون الأولى من نوعها، فقد حدثت بضع عمليات تفاوض بين القيادة السورية وقيادة المسلحين (المركزية أو المحلية) أسفرت عن إجلاء مئات المسلحين، تباعاً، من بضع مناطق سورية. فلماذا ما هو مسموح للمسلحين في سوريا ممنوع عنهم في لبنان، خصوصاً وأنّ المعركة محسومة النتائج وإن كانت الأثمان باهظة خصوصاً في إراقة المزيد من الدماء؟
وهناك مؤشرات عديدة على أن قرار المعركة بات محسوماً ليس فقط خطابياً (من خلال كلام السيد حسن نصراللّه) بل أيضاً من خلال تدابير عملانية أبرزها ما نُسب الى رئيس بلدية عرسال بأن قيادة الجيش طلبت من أهالي البلدة سحب آلياتهم كلها من منطقة الجرود المتاخمة للمسلحين. وثمة مؤشر بارز أيضاً تمثل في اللقاء الذي عقده قائد الجيش العماد جوزف عون مع كبار ضباط القيادة والأركان وقادة الألوية والوحدات والقطع والأفواج والمناطق، وأبلغ إليهم خلاله أن القرار إتخذ داعياً إياهم الى الإستعداد والتأهب.
وإذ يراوح عديد المقاتلين الإرهابيين في الجرود (داخل الأراضي اللبنانية) ما بين 1300 و1600 مقاتل، بأرجحية مئة صوت زيادة لداعش عن عديد مقاتلي النصرة، بات أكيداً أن المعركة سيخوضها حزب اللّه ولكن ليس من الأراضي اللبنانية بل من داخل الأراضي الحدودية السورية في حين يتولى الجيش تحقيق حماية ثلاثية: 1 - حماية المخيمات السورية والنازحين المدنيين إليها.
2- حماية عرسال. 3 - منع المقاتلين من التسلل الى المدن والبلدات اللبنانية وحماية الأهالي من هكذا إحتمال.
في أي حال، هذه لحظات حاسمة، ومرحلة تاريخية. وفي المبدأ والتفاصيل لم يعد يوجد أي مبرر عسكري لاستمرار مرابطة هذا العدد من المقاتلين في الأراضي اللبنانية... فقط هناك «مبرر ارهابي» إذا صح التعبير، ولقد آن الأوان لتحرير عرسال من هذا النير الثقيل الذي يتمثل بعدد كبير من الضحايا من أبناء البلدة، اضافة الى تعطيل مواردها الزراعية والتجارية والصناعية (صناعة حجر البناء).
وليت المفاوضات تنجح ليتحقق إجلاء جماعة داعش والنصرة من دون إراقة نهر جديد من الدماء.