أكنتَ تؤيد الرئيس السوري بشار الأسد أو تعارضه، أو كنت توالي أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أو تناهضه، صار بوسع الرجلين السوري واللبناني الحديث عن "انتصار" في سوريا. حسب آخر المعلومات فهما عازمان مع ايران وروسيا استعادة كل الأراضي السورية بما فيها الرقة ودير الزور وقطع الطريق على أيّ طرف آخر أكان كرديا أو اميركيا او تركيا .
يبدو أن ما سمعناه من تحول فرنسي حيال الأسد ومن تلاوة فعل الندامة من روبرت فورد السفير الأميركي السابق في دمشق وقوله ان الأسد ربح، إنما هو جزء من منظومة فكرية دولية قبلت بالأمر الواقع الذي فرضه الجيش السوري وحزب الله والقوات المدعومة من ايران والطيران الروسي، تماما كما فرضه القرار السياسي لكل هؤلاء.
في أواخر العام 2012، وفيما كانت سوريا تهتز وتترنح، سأل ضيف سوري الرئيس الأسد: "هل تخشى ان تتقسم سوريا"؟ أجاب بأعصابه الباردة المعهودة: "أؤكد لك اننا سنستعيد كل شبر من سوريا ولو طالت الحرب". وحين استعاد الجيش السوري وحلفاءه حلب قال: "ان الانتصار في حلب خطوة كبيرة نحو انهاء الحرب".
كذلك الأمر بالنسبة للأمين العام لحزب الله السيد نصرالله، فهو وفي خطابه الأهم في يوم القدس تحدث عن انتصار "محور"، وكان يعني تماما ما يقول، ذلك أن الأمر يتعلق الآن بالخط الواصل بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت وأبعد.
هذا بالضبط ما يزيد القلق الإسرائيلي ويزيد تالياً السعي لخلط كل الأوراق أو الحصول على مكاسب كبيرة في الصراع العربي الإسرائيلي.
كان منطق الأسد-نصرالله منذ بداية الحرب، أنها ستكون قاسية وشرسة ودموية وتدميرية وطويلة، ولكن في نهاية المطاف، ستخرج سوريا من هذه المحنة-الكارثة، وسيربح محور المقاومة الحرب العسكرية وسيحافظ على الخيار السياسي...
تكشف السنوات الست التي مضت، أن الرجلين كانا يدركان تماما الى أين ستذهب الأمور، خصوصا بعدما اقتنعا بأن خلف الأمر مؤامرة إقليمية ودولية كبيرة، وأن الدول العازمة على تدمير سوريا وجيشها وقرارها وزرع الفتنة فيها، لا تحب النظام ولا المعارضة، وانما تريد بيادق للتدمير ووحوشا من كل أصقاع الأرض للغزو. غرقت المعارضة في لعبة البيادق وحافظ النظام وحلفاؤه على الموقف الصلب.
كان الثمن باهظا: تدمير هائل. قتلى وجرحى بمئات الآلاف. خسائر مادية كوارثية. جروح نفسية واجتماعية هائلة. لكن في نهاية المطاف، لا القرار السياسي تغير، ولا ايران تراجعت ولا روسيا تهاونت. ها هو الجيش السوري مع حلفائه يسيطرون على المدن السورية الكبرى، وسوف يستكملون الحرب حتى استعادة كل الأرض والنفط والزرع .
نعم تغيرت الرياح الدولية. الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عازم على فتح خط دبلوماسي مع الدولة السورية برئاسة الأسد. هو أرسل شركة توتال النفطية لتوقيع عقد بـ٤ مليار دولار في إيران. أعلن ان الأسد ليس العدو وانما داعش. قال كل ذلك أمام الرئيس الاميركي دونالد ترامب، الذي لم يعترض. فهو تماما كماكرون راغب بكل ذلك بعدما صار الإرهاب هو القضية وبعدما أثبت المحور السوري الايراني الروسي وحزب الله أنه عصي على الكسر ...
نعم، قدمت المعارضة السياسية السورية صورة هزيلة لما كان يُراد أن تكون عليه. ها هي مفككة، ومشتتة بين منصّات .
نعم ان روسيا-بوتين وأميركا-ترامب، قررتا انهاء الحرب السورية وتسعيان للاتفاق على توزيع الحصص، لكن خلافا للكثير من التوقعات فان الحصص قد لا تكون مطلقا بالنسبة لما أرادته ادارة أميركا في سوريا، وهذا ما سنراه قريبا بعد معارك دير الزور والرقة وبعض مناطق الشمال والشمال الشرقي.
ربما يريد ترامب انهاء الوجود الايراني ووجود حزب الله في سوريا مقابل القبول بالصفقة. لكن، من قال ان ايران وحزب الله بحاجة الى البقاء في سوريا بعد النصر؟ وهل اذا خرج المقاتلون لاحقا من هناك مقابل خروج كل القوى الأخرى سيعني انهاء الحلف السوري الايراني الممتد منذ أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد حتى اليوم؟ الأكيد لا ...
قال بوتين للأميركيين، اتركوا مصير الرئيس بشار الأسد جانبا، أنا احل هذه العقدة، ودعونا ننهي الحرب ونوقف الإرهاب... هذا سيكون في مصلحة العالم أجمع. يظن البعض أنه بقوله هذا يعني أنه سيقنع الأسد بعدم الترشح للانتخابات المقبلة، لكن حتى الآن على الأقل، لم تظهر أي بادرة حول احتمال الضغط الروسي على الرئيس السوري.
ثم من قال انه اذا ضغطت روسيا في هذا الاتجاه ستربح؟ فكل مصيرها في المنطقة حاليا بات مرهونا بقوة حلفها مع الأسد وايران (ومن خلفهما حزب الله). ومن يستطيع أصلا القول ان ثمة بديلا ممكنا للأسد بعدما أثبت الرئيس السوري قدرته على الصمود وربح المعركة مع حلفائه؟!
اعتقد البعض منذ الأشهر الاولى للعام 2011 أن الأسد سيسقط بعد شهرين، وان محور المقاومة سينهار قريبا وان ايران ستعود قرونا الى الوراء.
لم ينتبهوا الى أن ثمة تعاونا أميركيا إيرانيا واضحا في العراق. يتوازى مع تعاون عسكري روسي أميركي اردني واضح في عمان .
لا أحد من دول العالم في نهاية المطاف يريد حربا مع إسرائيل، ولا من مصلحة إسرائيل ان تشن حربا على محور المقاومة الذي اشتد عوده وتضاعفت قدراته، وتعززت خبراته القتالية على الأرض السورية. يوما ما ستكون روسيا ربما على أهبة الاستعداد للدخول في مسار التسويات العربية -الإسرائيلية بعد الحرب السورية. اسرائيل تستفيد الآن من الانهيار العربي، تسرع الخطى لجني الأرباح. ها هي توقع اتفاقا مع الأردن والسلطة الفلسطينية لربط البحرين الأحمر والميت، وقريبا ستدخل في تنسيق أمني مع السعودية بشأن جزيرتي تيران وصنافير، ولا شيء سيردعها عن استكمال التهويد والقضاء على القدس والمقدسات سوى قبضات شبان في عمر الورود يتحدون إسرائيل ويتحدون الخزي العربي .
لا شيء يقلق إسرائيل الان سوى أن يربح الأسد ونصرالله وايران الحرب السورية. ستحاول ان تخلط الاوراق، قد يضطر ترامب لدعمها هنا وهناك. لكن اليقين أن الحرب السورية في طريقها الى الانتهاء ولو بعد عام او عامين. وان محور المقاومة قلب الطاولة. الأهم الآن هو الخروج من الجروح النفسية والاجتماعية وإعادة اللحمة الى المجتمع السوري بمشروع سياسي جامع، لا يشعر فيه أي فرد انه مهمش. وهذه بالدرجة الاولى الورشة الكبيرة أمام الرئيس الأسد.