لم تكن محاولات الوساطة لجمع التيار الوطني الحر وحركة امل على طاولة مستديرة في مرحلة سابقة ضمن مساعي مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم محطة شكلية بالنسبة للطرفين، حيث كان مأمولاً أن تخرج عن المسعى ورقة تفاهم يصحح العلاقة بينهما الى امد بعيد. وقد حكي عن نقاط تقارب كثيرة بعد اكثر من جلسة ضمت الوزيرين جبران باسيل وعلي حسن خليل من أجل تلك الغاية.
التطلع نحو هذا التفاهم الذي يريح الحلفاء، خصوصاً من جانب حزب الله العالق بين ارضاء الحليف الشيعي كثابتة وبين إرضاء الحليف المسيحي كخيار استراتيجي وطني هو أفضل ما يمكن ان يتوصل اليه الحلف المسمّى سابقاً 8 آذار في الظروف التوافقية التي يعيشها لبنان، حتى أن الاكثر ترجيحاً وسط الظروف نفسها ان تكون مسألة التوافق بين التيار الوطني الحر وحركة امل اقرب بكثير من التفكير بتعزيز خلافات وتعميقها ليتبين اليوم العكس في كل لحظة يكون الطرفان أمام استحقاقات داخلية اقتصادية او مالية او ما سواها، مما يتعلق بتسيير امور البلاد وتحسين ظروف المعيشة.
استعمل أول أمس وزير المالية علي حسن خليل تعبيراً اعتبر استفزازياً، عندما وصف كلام النائب ابراهيم كنعان رئيس لجنة المال والموازنة بـ«المزاح». وفي التفاصيل ان سجالاً وقع بين الرجلين على خلفية قول وزير المال ان الوفر الذي أمنته لجنة المال في الموازنة «مزحة» لينتفض كنعان، ويرفض كلام وزير المال، معتبراً أن لجنة المال تقوم بعمل رقابي برلماني جدّي مثبت بالمستندات والأرقام وما عدا ذلك من كلام هو «المزحة».
لكن كواليس الوسط السياسي تعاملت بالأمس مع الحادثة «العادية» التي حصلت بصفتها مؤشراً على الاحتقان العالي المستوى بين التيار الوطني الحر وحركة امل، بحيث تبدو ان العلاقة بينهما متأرجحة وغير ثابتة حتى اللحظة.
في هذا الإطار، قالت مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ«البناء» ان جوهر الاحتقان بين التيار الوطني الحر وحركة أمل اليوم لا علاقة له بالمالية او بالملف المطروح، بل إن الخلافات أبعد من ذلك تتعلّق بما كشفته الحسابات على التشكيلات والتعيينات التي تدور وراء الكواليس حول التشكيلات القضائية والديبلوماسية التي تعترض عليها حركة امل، واحدة منها من ضمن مهام وزير العدل سليم جريصاتي «القضائية» والثانية تتعلق بوزارة جبران باسيل اي وزارة الخارجية «الدبلوماسية»، وفي الحالتين حسب المصدر «هناك إضعاف لمكانة الشيعة حسب أجواء حركة امل التي تجد ان هناك حسابات طائفية تتحكم بالتشكيلات أكثر من التوازنات المعمول بها تقليدياً في الفترات التي مضت.
ويتابع المصدر «الذي يجري يدل أنه بات اليوم وبتركيبة الدولة اللبنانية وآلية عملها قوتين متحفزتين على الحصص في الدولة بالمناقصات والتعيينات هي حركة امل والتيار الوطني الحر، حيث تبدو هناك استحالة التوافق بينهما ضمنها». ويضيف «حال حركة امل لا تشبه حال الحريري بالعلاقة مع التيار، لأن الحريري كرئيس للحكومة عليه ان يدفع بقاءه في رئاسة الحكومة. وبالتالي فهو بحاجة لتعاون رئيس الجمهورية وحتى بالانتخابات ايضاً، لذلك هو لا يخوض «معارك»، وبالمقابل يبادله التيار الوطني الحر بعدم المساس بحصص المستقبل، كما تقول اجواء مقربة من امل بدليل الذي جرى بوزارة الاتصالات»، مشروع جمال الجراح او مشروع الخدمة الخاصة بالانترنت، حيث كان التيار الوطني الحر الى جانب «المستقبل» تماماً كما وقف المستقبل مع التيار الحر في ملف الكهرباء.
السبب في شكل العلاقة بين الاطراف الثلاثة، بحسب المصدر، هو مراقبة الانتخابات المقبلة والتحضير لها. فالتيار الوطني الحر لا يحتاج الى حركة امل في الانتخابات، بل يحتاج تيار المستقبل، لذلك هناك تقاسم بين التيار والمستقبل على حساب حركة امل.
وهذا يعيد الى ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد انتخاب الرئيس ميشال عون، بحديثه عن ثنائية بشارة الخوري ورياض الصلح التي ترمز الى ثنائية سنية مارونية لا مكان لها للشيعة.
الجدال الحاصل بالأمس ليس الا مؤشراً على ان الطرفين على موعد مع اصطدام جديد في كل لحظة تبرز فيها فرصة البحث في ما يتعلق بتوزيع الحصص او بحث استحقاقات مصيرية. فاذا مضت هذه الخلافات على خير، فإن هذا لا يمنع ان يختلف الطرفان وبالحدة نفسها او ربما اكثر مستقبلا على ملف النفط على سبيل المثال او غيره. وهو الامر الذي يتطلب بحثاً جدياً في ما يسمى المصالح البعيدة المدى بين الطرفين. فاذا كان من حق التيار الوطني الحر ان يتصرف بما تطلبه المصالح الانتخابية والسياسية البعيدة المدى، فإن من حق حركة امل بدورها التوجس مما حذر منه بري حول الثنائية المارونية السنية القادرة على نسف الصيغة الحالية بحال تعززت مستقبلاً. وهو امر قادر بطبيعة الحال على خلق اختلال جدي في إدارة العملية السياسية المحلية.
الاكيد ان المشهد يوحي بتقارب جدي وكبير بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل في ما يتعلق باستحقاقات متتالية سابقة، وربما تكون لاحقة تشير الى نجاح التفاهم بينهما الى حد بعيد، في وقت كانت ثنائية حركة امل وتيار المستقبل سابقا هي التي تستحوذ على المشهد المقصود والتي تبدو أنها فقدت ايضا بريقها بدرجة واضحة.