أصدر النائب سمير الجسر بياناً أول من أمس يدعو فيه بطريقة مواربة إلى تنظيم الرحلات السياحية إلى إسرائيل لتحرير القدس (!)، معيباً على الحكام العرب تأخّرهم في تنفيذ مطالب فارس سعيد لجهة تنشيط السياحة الدينية في إسرائيل فيرى المسلمون عن قرب كيف تستولي إسرائيل على مقدساتهم
حوّل عطل كهربائي طارئ ليل النائب سمير الجسر إلى جحيم حقيقيّ بقي يتقلب في حرّه حتى انبلج الفجر. فهو فتح للمرة الأولى منذ سنوات ستائر منزله والشبابيك علّ نسائم الليل تعوّضه غياب المكيّفات. لكن ما كادت الشمس تشرق حتى تسللت خيطانها إلى سرير الجسر لتوقظه. قفز مذعوراً. وسرعان ما دخلت من النافذة رائحة المدينة بكل ما فيها من قهوة وكعك وسماق فهرع إلى الشباك يقفله. وهرع إلى الحمام يغسل وجهه، لتفاجئه العاملة المنزلية بالقول إن انقطاع الكهرباء تبعه انقطاع المياه أيضاً.
هكذا هبط سعادته مهزوماً على كنبته يعتصره الغضب. ولما كان قد سمع في نشرة الأخبار المسائية للمرة الأولى بأن الإسرائيليين احتلوا فلسطين، وبلغوا في اعتداءاتهم حدّ منع المصلين من دخول المسجد الأقصى، قام يبحث لساعات في شقته عن ورقة وقلم ليخطط للثورة.
كان عضو كتلة المستقبل النيابية يحلم بكوب مياه بارد، فشعر بأنه يقاسم الأقصى شعوره، وكتب: «إن كأس الهوان والذل التي نتجرّعها على عتبات الأقصى الشريف إنما هي نتيجة طبيعية لحالة الفرقة والانقسام والتقاتل في ما بيننا كعرب وكمسلمين». قالت له إحدى العاملتين في منزله إن الفرقة والتقاتل والانقسام ليست سوى نتيجة للعمل السعوديّ الدؤوب في المنطقة وليس من عادته انتقاد المملكة، إلا أنه أسكتها بإشارة من يده، مؤكداً أنه يعرف ماذا يكتب. وضع نقطة لينتقل إلى سطر جديد، كاتباً: «إن سبب الخذلان هو تعليقنا استعادة الحقوق السليبة في فلسطين على وجدان المجتمع الدولي المنحاز دوماً لإسرائيل بدل الأخذ بأسباب القوة التي أمر بها الله سبحانه وتعالى». فما كان من إحدى العاملتين سوى الهروع إلى خزانة الحمام لتأخذ الكلاشنيكوف المخبّأ هناك وتخفيه بعيداً عن عيني صاحب البيت، لخشيتها من أن يحمله ويهرع صوب فلسطين أو يأمرها بحمله والركض أمامه لاستعادة فلسطين بالقوة كما أخذت بالقوة. أما العاملة الأخرى فسألته بحبّ عمّا يعانيه اليوم، وما يتطلع إليه بعدما أمضى العمر كله ينادي باللجوء إلى الأمم المتحدة والتلطّي خلف قراراتها. وسألته بحرقة إن كان سيعلن في المقطع الثالث استقالته من كتلة المستقبل وانضمامه إلى كتلة الوفاء للمقاومة! لكن الجسر الغاضب تابع كتابة البيان: «إن حملة شعبية منظمة تحمل خلال سنة واحدة مليوناً من شباب العرب والمسلمين لإقامة الصلاة في المسجد الأقصى الشريف ستوقظ عرب الغفلة من أوهامهم وخنوعهم وتنذر العالم بما قد يكون آت ويؤسس لتحرير الأقصى».
هنا لم تتمالك العاملتان نفسيهما عن الوقوف والتصفيق بحرارة والهتاف «بالروح بالدم نفديك يا سمير». وهو ما أثلج قلب الجسر في هذا الحر. لكن ما كادت العاملتان تلمحان البسمة على وجهه حتى ظنتا أن الوقت ملائم لسؤاله عمّن يقصد بـ«عرب الغفلة» الذين قال عنهم إنهم نائمون وواهمون وخانعون، وهرعت إحداهما لتحضر له كوب ليموناضة، مؤكدة له أن قطع الإمداد عنه سيدفعه إلى الاستغناء عن خدماتهما ولعله يخفف من مزايدته قليلاً، فأعتى عتاة الممانعة يدرس عباراته بدقة حين يتعلق الأمر بوصف السعوديين وأتباعهم.
لكن زميلتها أعادت قراءة ما كتبه الجسر متسائلة بصوت عالٍ عمّا إذا كان المقصود بالحملة الشعبية المنظمة التي تحمل خلال سنة واحدة مليون مسلم إلى القدس هو تلبية دعوة زميله النائب السابق فارس سعيد الذي عقد قبل أسابيع مؤتمراً لتعديل القوانين والسماح للبنانيين بزيارة الأراضي المقدسة المحتلة بالتنسيق مع سلطات الاحتلال طبعاً. وكان واضحاً من احمرار وجنتَي الجسر أن العاملة لديه قد «كمشته».
في وقت تُقدِم فيه إسرائيل على إقفال المسجد الأقصى ويبذل الفلسطينيون كل ما في وسعهم للحؤول دون فرض أمر واقع إسرائيليّ جديد، يدعو عضو كتلة تيار المستقبل إلى تزويد الشباب العربي بـ«ووكمن» وملء حقائبهم بأكياس البزر والفستق وزجاجات العصير، وحجز بطاقات سفر درجة أولى على الطائرات المتجهة إلى مطار بن غوريون في تل أبيب، لينتقلوا من هناك بباصات مكيّفة إلى أحياء القدس، حالهم من حال السياح الأوروبيين. صديق فارس سعيد يعيب على الحكام العرب نومهم وخنوعهم وقبولهم بهذه الأوضاع بدل أن يسيّروا آلاف الرحلات فوراً من أوطانهم إلى إسرائيل لتشجيع السياحة الدينية فيها.
أعادت العاملة الكلاشنيكوف إلى مكانه ضاحكة من سذاجتها، كأنها لا تعلم من هو سمير الجسر وإلى أيّ معسكر ينتمي، مؤكدة لزميلتها أنها ظنت أن حمى أصابته وأنه يهذي. أما العاملة الثانية فكانت تراقب صاحب البيت يتأمل نفسه في المرآة، متخيّلة ما يراه فعلاً في نفسه من يدعو الناس إلى تكريس الاحتلال الإسرائيليّ عبر الدعوة إلى تنظيم رحلات سياحية ترفيهية إلى القدس، لا لشيء سوى رؤية الاستباحة الإسرائيلية للمسجد الأقصى وغيره عن قرب.
كانت العاملتان مستعدتين لحمل صاحب البيت على أدراج الطوابق السبعة والصعود مجدداً؛ هذا أفضل من بقائه اليوم كله أمامهما «يزرزب» عرقاً وبيانات.