«إسرائيل» تعارض بشدّة اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سورية. بنيامين نتنياهو أبلغ معارضته للرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارته الأخيرة لفرنسا. السبب؟ لأنّ الاتفاق «يرسّخ وجود إيران وحزب الله في سورية».
لا يشكو نتنياهو من حزب الله في سورية فحسب بل من وجوده في لبنان أيضاً. فخلال اجتماعه مع ماكرون أعرب عن قلق «إسرائيل» حيال الوضع في لبنان، وطلب أن يمارس الرئيس الفرنسي تأثيره على الحكومة اللبنانية في كلّ ما يتعلّق بنشاط حزب الله في لبنان، خصوصاً في الجنوب.
ماذا يريد نتنياهو؟
تقول صحيفة «يسرائيل هيوم» 2017/7/18 القريبة من رئيس الوزراء «الإسرائيلي» أنّ تل أبيب أجرت محادثات مع مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية حول تحفّظاتها عن اتفاق وقف إطلاق النار و«طالبت بإقامة منطقتين عازلتين من أجل إبعاد قوات إيران وحزب الله عن الحدود بين سورية والأردن وعن منطقة هضبة الجولان».
لا روسيا ولا أميركا أخذتا في الحسبان مطالب «إسرائيل» بدليل أنّ نحو 400 عنصر من القوات الروسية، وصلوا إلى ريف درعا الشمالي ليمارسوا ما يمكن اعتباره «قوات فصل» بين القوات النظامية السورية من جهة وقوات «المعارضة السورية وحلفائها كـ»جبهة النصرة» وتوابعها من جهة أخرى. فوق ذلك، سرّبت موسكو معلومات حول احتمال التوصل إلى إعلان هدنة ثانية تشمل ريفيْ دمشق وحمص، وأنّ مشاورات روسية – أميركية تجري بهذا الشأن للإعلان عن الهدنة قبل الجولة المقبلة من مفاوضات أستانة المقرّرة في أواخر الشهر المقبل.
ظاهر الحال يُوحي بأنّ واشنطن سلّمت بأن تكون لروسيا اليد العليا في سورية. لكن ثمّة ثمناً لذلك، فما هو؟ وهل يُعقل أن ترضى واشنطن وتل أبيب بأن تفصل قوات روسية فقط بين «إسرائيل» من جهة وسورية وحلفائها في جهة أخرى؟
من الواضح أنّ الولايات المتحدة متخوّفة جداً من صعود إيران تكنولوجياً وعسكرياً، وبالتالي سياسياً. الأمر الذي قد يدفعها، عاجلاً او آجلاً، إلى القبول بدفع الثمن المطلوب لروسيا لقاء إبعادها وأقوى حلفائها حزب الله عن سورية عموماً، وعن المناطق الحدودية بين سورية وكلّ من «إسرائيل» والأردن خصوصاً. الثمن يتمثل في أن يكون لروسيا اليد العليا في حفظ الأمن والاستقرار في جميع مناطق «خفض التصعيد والتوتر» الجاري تعميمها في جميع أنحاء سورية.
لكن، إذا رضيت روسيا بقبض الثمن المعروض، فماذا تراها تقدّم لقاء ذلك لأميركا؟ هل في وسع موسكو القيام بدور جدّي في منع صعود إيران تكنولوجياً وعسكرياً أو في تأخير وتيرته؟
تستطيع موسكو حجب أسلحتها المتطورة عن إيران كصواريخ الدفاع الجوي المتقدّمة من طراز «S-400»، ولكن هل تستطيع منع طهران من صنع صواريخ موازية لها من حيث المدى والفعالية؟ أوليس الدافع الرئيس لحملة المقاطعة والعقوبات التي تشنّها واشنطن على طهران هو نجاح الأخيرة في صنع صواريخ بالستية بعيدة المدى بإمكانها الوصول إلى قلب «إسرائيل»؟
على افتراض أنّ موسكو وافقت على الانخراط في حملة مقاطعة إيران ومحاصرتها تكنولوجياً، فماذا تراها تكسب من ورائها؟ أليس من المحتمل أن تتمكن طهران من تجاوز هذه الحملة فتخسر موسكو مزايا تعاونها المجزي معها؟ ثم، أليس من الأرجح أن تنحاز سورية الى إيـران، فتحـدّ من مزايـا تعاونهـا القائـم مـع روسيـا فـي ميـاديـن شتـى؟
لعلّ أقصى ما تستطيعه روسيا في هذا المجال هو أن تَعِد أميركا وبالتالي «إسرائيل» بعدم تمكين إيران من نشر قوات لها أو لحفلائها في مناطق سورية الجنوبية، حيث «مناطق خفض التصعيد والتوتر» طالما أنّ قواتها تقوم بمراقبة الهدنة فيها. غير أنّ التزام ؟ روسيا هذا يصبح غير ذي موضوع حالما تنسحب قواتها من تلك المناطق نتيجةَ التوصل الى اتفاق سياسي بين الأطراف المتصارعة أو نتيجةَ تمكّن الجيش السوري من استعادة جميع المناطق الخارجة عن سيطرة سورية وسيادتها.
إذا كانت مشكلة الولايات المتحدة هي مع إيران بالدرجة الأولى، فإنّ مشكلة «إسرائيل» هي مع حزب الله، في جنوب سورية عموماً وجنوب لبنان خصوصاً. في هذا المجال، طالبت «إسرائيل» الولايات المتحدة بصيغ وترتيبات أمنية شتى، لكن حاضنتها التاريخية لم تستطع استجابة أغراضها. الأمر الذي حملها على طرح مقاربة جديدة قوامها عقد صفقة ثلاثية أميركية روسية استراتيجية على الأسس الآتية:
ـ إحلال قوات روسية محلّ قوات الأمم المتحدة على طول الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة وبين سورية والجولان المحتلّ.
ـ إطلاق يد روسيا في سورية ولبنان مقابل إطلاق يد أميركا في العراق أو، في الأقلّ، تقاسم النفوذ مع إيران في بلاد الرافدين.
منع نقل السلاح من إيران إلى حزب الله عبر الأراضي السورية.
قد لا تمانع موسكو في اعتماد هذا الترتيب إذا وافقت دمشق، وهو أمر مُستبعَد. أما طهران وحزب الله، فالأكيد أنهما لا يوافقان لسبب بسيط هو أنّهما غير معنيين البتة بأمن «إسرائيل»!