ظريفة هي هذه المنظمة التي تتحفنا بين وقت وآخر بمواقف أقل ما يُقال فيها إنها منحازة... وإنها (على غير ما يفترض إسمها) تنظر الى القضايا إمّا بعينٍ عمياء أو بعين في طَرْفها حَوَرٌ... ولكنه ليس حَورَ الجمال الذي تغزّل به جرير، الشاعر الأموي الكبير، الذي قال: «إنّ العيون التي في طَرْفها حَوَرٌ / قَتَلْننا ثمّ لم يُحيينَ قتلانا».
تمنّيت مرة واحدة أن أرى أو أستمع أو أقرأ لهذه المنظمة موقفاً متوازناً، ولا أقول عادلاً... فهذا ما لا نتوقعه منها.
تمنّيتُ أن أقرأ لها بياناً تأخذ فيه الأمور من جوانبها كافة.
تمنّيتُ ألا أقرأ الإنحياز في الحروف والكلمات والسطور وما بين السطور.
وما بيانها المطوّل، أمس، حول إدعاءات تعذيب سوريين سوى دليل قاطع على العمى والعمه اللذين تتعامل بهما هذه المنظمة، فاقدة الصدقية، مع الأحداث والتطورات والملفات.
بداية نرفض أن يزايد علينا أحدٌ في مسألة حقوق الإنسان. نرفضها شخصياً ونرفضها على المستوى اللبناني والوطني. ولسنا نزايد على الموقف المباشر والشفاف الذي أصدره أول من أمس، في مجلس الوزراء، كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري اللذين حذّرا من إستغلال ورقة النازحين. ومن باب أولى اننا لا نقبل أي مزايدة على الجيش اللبناني الذي هو من أكثر جيوش العالم إنضباطاً ومناقبية والتزاماً بالقيم الإنسانية... وهو الذي ينتمي الى وطن له إسهام فعّال في الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، كما يعرف الجميع.
والجيش هو الذي يبادر، تلقائياً الى فتح تحقيق في أي مسألة من نوع ما حصل مع النازحين في مخيّمهم في جرود عرسال، أو ما يشابهه، وهذا في نظامه وتراثه وأعرافه وأدبياته. وهو بادر فعلاً الى فتح مثل هذا التحقيق وأعلن عنه منذ اليوم الأوّل للحادثة، بل منذ الساعة الأولى للحادثة.
ولتسمح لنا السيدة سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش عندما تقول هي ومنظمتها أن الجيش «لم يرد على سؤال (المنظمة) حول غرض هذه المداهمات». وتلك ذروة الفجور السياسي... فهل مفروض بلبنان وجيشه أن يكشفا عن الأسباب الموجبة لحراكه الأمني الوقائي أو أي حراك آخر، لهذه الجهة أو لهذا الطرف أو لتلك المنظمة أو الهيئة؟!. هذا في المبدأ. أمّا في التفصيل فقد كشف الجيش في بيانات رسمية صادرة عنه، وبالوقائع، عن نوعية العمليات وأسبابها وموجباتها... ولكن السيدة ويتسن ومنظمتها لا تريان إلاّ بالعين الواحدة، في أحسن الحالات.
ثم، عبثاً رحنا نبحث في البيان المطوّل عن إشارة واحدة الى نحو ثلاثين ضابطاً وجندياً أُصيبوا في العملية الإنتحارية التي نفذها بضعة إرهابيين وكانت السبب المباشر للأحداث التالية! أو انّ الجيش الذي يحمي الشعب ليس على جدول أعمال واهتمامات منظمة حقوق الإنسان، ولا في... مدى نظرها! هذه المنظمة التي من أظرف ما قالته إنها استندت في تقريرها الى «أحد أقارب» و«أحد معارف» أصحاب العلاقة في المخيم...
ويتواصل مسلسل الظرف، في بيان المنظمة الظريفة بقولها إن المحاكمات تجرى، في المحكمة العسكرية، «خلف أبواب مغلقة». والجميع يعرف أن المحاكمات علنية وفي حضور محامي الدفاع، وتنشر وقائعها في الصحف...