عندما انتخب اهالي عرسال باسل الحجيري رئيسا لبلديتهم حدّد "العراسلة" خيارهم: اعادة عرسال الى موقعها الطبيعي وعدم جرّها الى مواجهة مع محيطها، كما كان يفعل رئيس بلديتها السابق علي الحجيري (ابو عجينة). تمتاز عرسال بموقع جغرافي استراتيجي لجهة ربطها البقاع بالحدود السورية عبر جرود طويلة- عريضة، كانت تشكل للعراسلة مصدر رزق وفير. تلك الجرود التي اعتبرها "ابو عجينة" جمهورية خاصة، راهن على أن تكون ملحقا للامتداد السوري بعد اسقاط النظام في دمشق. كان المتعاطفون مع المعارضة والمنغمسون بالحرب الى جانبها ضد الجيش السوري يرون في أجواء القرى الممتدة من الزبداني نحو القلمون وصولا الى حمص مؤشرا الى أن هوية الدولة السورية تبدلت.
زادهم اندفاعا حجم التبني والدعم الخليجي المالي والمعنوي. كان الرهان لعراسلة على متغيرات سياسية فتحوا من اجلها بيوتهم للنازحين السوريين قبل بناء المخيمات. لكن العراسلة دفعوا الثمن. لم يبادلهم معظم النازحين بالمثل، لا بل خطفوا ابناءهم، وقتلوا بعضهم، ونافسوا تجّارهم، فيما منع الارهابيون العراسلة من الوصول الى ارزاقهم في الجرود، وجمدوا اهم اعمالهم في الكسارات وانتاج الحجر المتميز المصنوع من الصخر. هنا نميز بين ارهابيين تغلغلوا في صفوف النازحين وتعاونوا مع قلة من العراسلة، وبين نازحين سوريين لا حول لهم ولا قوة.
بالمحصلة، دفعت عرسال ثمن الرهان الخاطئ، خصوصا عندما وضع المستفيدون فيها البلدة في مواجهة مع محيطها ومع الجيش. تنصّل العراسلة من خيار فرضهم رئيس بلديتها السابق وبعض رجال الدين فيها. هم عادوا للتمسك بالخط الوطني ودعم الجيش. لم يعلنوا عن ذلك خوفا من انتقام الارهابيين، لكنهم ترجموا خيارهم في صناديق الاقتراع البلدية منذ اكثر من عام.
يقف اليوم العراسلة الى جانب الجيش اللبناني. يؤيدون عمليا الحرب في الجرود لانهاء الارهابيين. هم يعرفون ان سوريا عادت لتمسك حدودها بعد عودة الزبداني والقلمون وحمص الى حضن الدولة السورية. هم يدركون حجم المتغيرات الاقليمية والدولية التي انهت دعم العواصم للمسلحين في الجرود. هم جربوا الخصومة مع الجوار وتداعياتها الخطيرة. هم ينحازون الآن لإعادة بلدتهم محورا اقتصاديا مهما في البقاع الشمالي، من زراعات الجرود الى ترويج جديد للحجر العرسالي النخبوي المتين.
مصلحة البقاعيين ايضا هي في عودة عرسال الى موقعها، الى تاريخها القومي والوطني. خصوصا ان اهلها طيبون شرفاء، لم تسرقهم خيارات قلة من العراسلة، ولا رهانات خاطئة في زمن عابر. ان اولى المهمات الوطنية بعد ضرب الارهاب في الجرود تقضي بإحتضان عرسال وتقديم المساعدات العاجلة لبلديتها، لإنمائها و لم الشمل فيها، ومؤازرة رئيس بلديتها باسل الحجيري الذي يمضي قدما لاعادة العراسلة الى بر الامان.
الخطة الوطنية تفرض اجتياحا انمائيا لعرسال، كي لا تسرقها الرهانات مرة أخرى، والقيام بسلسلة اجراءات داعمة لبلديتها.
ان اولى الخطوات في عرسال تبدأ بعد تحرير جرودها، بزيارة المسؤولين الحكوميين اليها، متضامنين فيما بينهم، وشكر المقاومة التي قدمت دماء وشهداء لاعادة جرود عرسال الى اهلها. الواجب يقضي بمحو صورة الانقسامات الداخلية التي دفعت نواب 14 اذار يوما لزيارة عرسال وترسيخ مشهد الانقسام والنزاع فيها وحولها. لكن عرسال الجريحة تحتاج لمعالجة وطنية، واعلان الطلاق النهائي مع مرحلة امتدت منذ عام 2011. ثم ترجمة الاندماج الوطني في الانتخابات النيابية المقبلة ترشيحا و اقتراعا.
آن اوان عودة عرسال الى اهلها. فلتقرع الطبول ايذانا بالمرحلة الجديدة، ولتعم الوفود المهنئة دار البلدية فيها. ان التحرير المرتقب لجرود عرسال هو استعادة للسيادة المسلوبة للدولة شرقا. بعدها لن تبقى ارض لبنانية محتلة الا مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.