يؤكد مصدر سياسي على صلة بحزب الله لـ"البناء" أنّ معركة جرود عرسال ضدّ جبهة النصرة لن تتعدَّى الأسبوع الحالي. لن يسمح حزب الله باستنزافه. فائض القوة الذي يملكه بإطباق قاتل قام به، وأدّى إلى هذا العدد من التضحيات، سيؤسّس إلى انهيار سريع في صفوف الإرهابيين.
الأوضاع أكثر من جيدة في جرود عرسال، تؤكد مصادر ميدانية لـ"البناء"، فمجمل الأراضي التي كانت بأيدي جبهة النصرة باتت بيد حزب الله. ولم يبقَ إلا نحو 10 % من مجمل المساحة. نهاية النصرة، وفق المصادر نفسها، قريبة جداً. فعناصرها بعضهم التحق بتنظيم داعش الإرهابي، وبعضهم الآخر هرب وترك نقاط تمركزه. في حين استمرّت أمس، المواجهات المتقطعة وعمليات القنص التي أسفرت عن سقوط شهيدين لحزب الله. وتشير المصادر إلى أنّ إرهابيّي النصرة يتخبّطون. لا يتواصلون مع قيادتهم. كلّ عنصر يقاتل "من راسو".
وبانتظار أن تنتهي المرحلة الأولى وتبدأ المرحلة الثانية ضدّ تنظيم داعش، أكدت المصادر نفسها أنّ حزب الله سيخيّر هذا التنظيم بين الانسحاب أو المعركة. فقرار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حاسم في هذا الشأن "لن يبقى إرهابيون في الجرود". وتتابع المصادر "داعش سيكون محاصَراً من الجهات كلها بعد القضاء على النصرة. وهناك احتمال أن يوافق على الانسحاب، لا سيما أنه يدرك أنّ معركته ستكون خاسرة لاعتبارات تتعلّق بالعدد، الحيوية، قدرة المناورة، عدم وجود خطوط إمداد مع انقطاعها مع البادية السورية بعد سقوط تدمر، ضعف بيئته الحاضنة في مخيمات النزوح ولو نسبياً، فهو يملك بيئة أمنية لكنها ليست شعبية كافية.
اذاً المعركة واحدة في جرود فليطة وعرسال وبعلبك والقاع. فالإجهاز على النصرة ترسيخ للوقائع الحاكمة الجديدة ومنطلق طبيعي للإجهاز على داعش.
لقد اختار حزب الله، بحسب المصدر السياسي ذات الصلة به، التوقيت المناسب للمعركة. توقيت مركّب. لكنه لا يأتي مرتبطاً بأية حسابات صغيرة. تمّ اختياره كجزء من المعركة الكبرى التي تخاض خاصة في مرحلة ما بعد الموصل، وما بعد البادية السورية، وما بعد مناطق خفض التوتر، وربطاً بملف القضاء على الإرهاب على مستوى المنطقة من محور إيران - حزب الله - سورية - روسيا.
لا تخضع أجندة حزب الله في اجتثاث إرهابيّي داعش لاعتبارات دولية، إلا إذا كان حزب الله عملياً جزءاً من القرار الدولي بالقضاء على هذا التنظيم، يؤكد المصدر نفسه. فالتوقيت بالنسبة إليه استراتيجي، يأتي في سياق تكامل أبعاد المعركة من الموصل، إلى سورية، فلبنان.
إنّ مشاركة حزب الله وايران والجيش السوري مع الحشد الشعبي والجيش العراقي بالتطبيقات الأرضية الميدانية لضرب هذا الإرهاب غير مرتبطة بمسألة العقوبات الأميركية ضدّ المقاومة، مع الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة تجهد مع الأكراد وغيرهم لتثبت أنها جزء من المعركة ضدّ الإرهاب، يقول المصدر نفسه.
في التوقيت العملياتي، لا شك في أنّ المعركة المؤجّلة في الخاصرة اللبنانية السورية، بحسب المصدر السياسي، نضج وقتها، كي يتمّ حسمها، في ظلّ الإنجازات في محيط دمشق وتأمين العاصمة. وأيضاً في ظلّ إنهاء ملف الحدود اللبنانية – السورية بشكل تامّ. يرتبط هذا الملف بمجموعة استحقاقات تتعلّق بتطور العلاقة اللبنانية – السورية في الفترة المقبلة، وبأزمة النازحين، وبالملف الداخلي اللبناني بأبعاده السياسية لإنهاء مرحلة وفتح مرحلة جديدة. كما يرتبط بتأمين السلسلة الشرقية بشكل نهائي ليبقى العدو الإسرائيلي هو الخطر الوحيد. يُضاف إلى كلّ ما سبق إنهاء المفاعيل اللبنانية للاستثمار على الإرهاب الذي حكم لبنان 5 سنوات ونصفاً وقطع دابره بشكل نهائي، وفتح المدى الحيوي اللبناني السوري على مصراعيه، ونزع أية شوكة متبقية فيه، فضلاً عن حماية ظهر المقاومة والجيش السوري من أية مشاغلة جانبية وإبقاء وجهتهما نحو "إسرائيل".
والأهمّ أنّ في ظلّ حالة الانهيار الشامل لهذه المجموعات (داعش والنصرة وغيرها)، فإنّ لحزب الله أسبابه الخاصة لهذه المعركة، ربطاً بعرسال وجرودها وبيئته الحاضنة في البقاع الشمالي وبالواقع السياسي اللبناني باستحقاق المرحلة المقبلة وإعادة ترتيب المنطقة، بخاصة أنّ خطاب القسم لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون هو الغطاء الحقيقي الذي استند إليه الحزب في معركته، بالإضافة إلى موقف رئيس الحكومة "التطنيش" بالتعاطي مع هذه المعركة.
مرحلة ما بعد عرسال هي مرحلة فاصلة، لها أبعادها المحلية الإقليمية الدولية، مع تحريك العملية السياسية في سورية، وتفعيل الوقائع الميدانية الناتجة عن مفاوضات أستانة والمناطق المنخفضة التوتر، ووضع سورية فعلياً على سكة نهاية الأزمة وإنْ كانت ترجمة هذا الواقع ميدانياً يحتاج إلى أشهر وكحدّ أقصى سنة، يؤكد المصدر نفسه. وبالتالي فإنّ لبنان يجب أن يكون على جهوزية للانسجام مع هذا الواقع الجديد؛ وليس سراً أنّ أمر إنهاء معركة الجرود قد صدح في خطاب السيد نصرالله.