كلّنا يعرف أنّ ثمة خلافاً داخلياً، حاداً وجذرياً، حول سلاح حزب اللّه ودور هذا السلاح. وهذا ليس بجديد. فالتسوية الكبيرة التي إنتهت بفوز العماد ميشال عون في رئاسة الجمهورية لم تلغ إتجاهات عون وحزبه (التيار الوطني الحر) الأساسية، بل لم تعدّل فيها. وكذلك بالنسبة الى الفريق الثاني الذي أقام التسوية مع عون، أي تيار المستقبل، هو أيضاً لم تُلْغِ التسوية خياراته وإتجاهاته. كان هناك توافق مبدئي، ولقاء على ضرورة وطنية كانت عاجلة جداً وملحّة جداً، وكان تجاوزها خطراً جداً، ألا وهي حتمية ملء الفراغ الرئاسي وإعادة المسار الطبيعي الى الحياة في لبنان... وهكذا كان. ومهما قيل، (وعن حق) أن الوزير جبران باسيل والسيد نادر الحريري قد إتفقا على أمور عديدة، فهذا لا يعني أنهما اتفقا على أن يلغي كل منهما نفسه.
سقنا هذه المقدمة لنقول إن الكلامين الصادرين (أمس بالذات وفي اليوم الرابع لمعركة جرود عرسال) عن كل من الرئيس عون وتيار المستقبل، وبما يحملانه من إختلاف في الموقف ممّا يجري في عرسال. لن يكون له تأثير أو فعل على العلاقة التي أنتجت التسوية، وعلى هذه التسوية التي عززت العلاقة الثنائية بين التيارين الأكبرين كل في بيئته، أي بين التيار الوطني الحر الأول مسيحياً، وتيار «المستقبل» الأول سنياً.
فمن كان ينتظر من تيار المستقبل، أو الرئيس فؤاد السنيورة بالذات، ان يحوك قصيدة غزل بعملية «تطهير الجرود» التي قرّرها وخطط لها ونفذها وقادها حزب اللّه؟! وفي المقابل من كان ينتظر من الرئيس عون أن يفتح نار الهجوم السياسي على حزب اللّه، وهو الذي استقبل قائد الجيش وعرض معه للأوضاع في الجرود على الخريطة. وللتذكير فقد قال رئيس الجمهورية أمس، إثر لقائه القائد: «إن نتائج التطورات الميدانية الأخيرة (ما جرى ويجري في جرود عرسال) ستكون إيجابية على صعيد الحدّ من اعتداءات الإرهابيين وممارساتهم ضدّ المدنيين والعسكريين على حد سواء، وسوف تعيد الأمن والإستقرار الى الحدود». أما «تيار المستقبل» فأعرب عن حزنه «لسقوط العديد من الشباب اللبناني في أتون حروب وظيفتها تقديم الخدمات للمحور الإيراني - السوري (...) ولا شرعية وطنية لمشاركة حزب اللّه في الحرب السورية».
ويبقى السؤال الأهم هو ما تناولناه، أمس، في هذه الزاوية:
ماذا سيكون موقف حزب اللّه إثر إنتهاء العملية في الجرود، وهي باتت محسومة عسكرياً على الأرض؟! وهل سيهدي هذا النصر العسكري الى لبنان كله كما فعل بعد إنتصاره على إسرائيل، وطردها من لبنان في 25 أيار 2000 من دون قيد أو شرط، ولا حتى وريقة تحمل وعداً أو تعهداً أو توقيعاً...
وهل يستتبع الحزب المعركة بالهجوم الميداني على «داعش» بعد الإنتهاء من «النصرة»؟!
والأبعد مدى: هل سيتخلى حزب الله عن هذه المنطقة الحدودية الشاسعة ويسلمها الى الدولة لتبسط سلطة الجيش اللبناني عليها؟!.