بعد سيطرة هيئة "تحرير الشام"، أي جبهة "النصرة" سابقاً، على أغلب محافظة أدلب، إثر المعارك الأخيرة التي خاضتها ضد حركة "أحرار الشام"، من المتوقع أن تكون المحافظة السورية أمام مجموعة محددة من السيناريوهات، تقع جميعها تحت عنوان التنافس الدولي والإقليمي، الذي يأخذ من الحرب على الإرهاب عنوانا له، بالرغم من سعي الهيئة إلى الترويج لرغبتها بتسليم إدارتها لهيئة مدنية لا عسكرية.
في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة على هذا الملف، عبر "النشرة"، إلى وجود عدد من السيناريوهات التي يجري التداول بها، في الوقت الراهن، بالنسبة إلى مستقبل ادلب، بالرغم من تلميحها إلى أن هناك ما يشبه "المصيدة" سقطت بها الهيئة خلال المعارك الأخيرة، وتضع الكثير من علامات الإستفهام حول منع الحكومة التركية فصائل منضوية في غرفة عمليات "درع الفرات" من التدخل لنصرة "أحرار الشام"، بالرغم من أن الأخيرة تعتبر من حلفاء أنقرة الأساسيين على الساحة السورية.
وتلفت هذه المصادر إلى أن تركيا على ما يبدو كانت تريد أن تسقط المحافظة بيد "تحرير الشام"، ليكون مبرراً لتدخلها العسكري في مرحلة لاحقة بعد أن تحصل على الغطاء اللازم لذلك، لا سيما أنها كانت قد تحدثت عن هذا الأمر قبل أيام قليلة من إندلاع المواجهات.
على هذا الصعيد، توضح المصادر المطلعة أن أنقرة ستعمد إلى طرح الواقع الجديد في المحافظة، في الأيام المقبلة، على الأوساط الدولية الفاعلة، أي روسيا والولايات المتحدة وإيران، وتلفت إلى أن المناطق التي تسيطر عليها "تحرير الشام" ستكون على موعد مع التسابق الإقليمي والدولي، شبيه بذلك الذي حصل على المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي.
بناء على ذلك، تحدد هذه المصادر السيناريوهات المتوقعة، إنطلاقاً من بعض المواقف التي كانت قد صدرت في وقت سابق، حيث تشير إلى أن الحكومة التركية أعربت في أكثر من مناسبة عن رغبتها بأن تكون الأمرة في أدلب لها، وهي سعت إلى طرح هذا الأمر في جولات مؤتمر آستانة المتعددة، ضمن ما يعرف بمناطق "تخفيف التصعيد"، وتتوقع أن تكون لأنقرة الأسبقية على غيرها من القوى الراغبة في الدخول إلى المحافظة، لا سيما أن هذا الأمر يساعدها في مخطط إحباط المشروع الكردي في الشمال السوري.
بالتزامن، لا تبدو الحكومة الأميركية بعيدة عن السباق القائم، بالرغم من أنها لم تعلن أي موقف واضح حتى الساعة، باستثناء عمليات الإغتيال التي تنفذها عبر الغارات الجويّة لقيادة محسوبة على الهيئة في الأشهر السابقة، إلا أنها تذكر بأن "قوات سوريا الديمقراطية"، المدعومة من قبل واشنطن، كانت قد أعلنت سابقاً أنها قد تذهب لتحرير المحافظة من عناصر "النصرة"، بالرغم من أن هذا الأمر يصطدم بالموقف الرافض لأنقرة، التي تقف دائماً ضد أي مخطط أميركي لإشراك هذه القوات بأي معركة عسكرية، لكنها في نهاية المطاف تعود مُجبرة إلى الموافقة.
في الجانب الآخر، لا يبدو المحور المقابل بقيادة موسكو بعيدا عن هذا السباق أيضاً، لا سيما أن الجانب الروسي كان قد أرسل سابقا قواته العسكرية إلى مدينة عفرين، التي تقع تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، بالإتفاق مع الأكراد، وهو يسعى إلى إعادة السيطرة على المحافظة من خلال الجيش السوري وحلفائه، كونه لا يريد أن توسع أي جهة أخرى، سواء كانت أنقرة أو واشنطن، من رقعة نفوذها داخل الأراضي السورية.
من وجهة نظر هذه المصادر، هذا الواقع المتداخل في ادلب ربما يقود إلى إبرام تسوية بين القوى المتنافسة، لكنها تشير إلى أن المرجح هو أن يكون المحور الذي تقوده الحكومة الروسية هو الفائز في نهاية المطاف، نظراً لأنه فريق في التسوية المنتظرة، سواء كانت مع الجانب الأميركي أو التركي، خصوصاً أن التوافق بين واشنطن وأنقرة حول الوضع في المحافظة يبدو مستبعداً، كما أن الولايات المتحدة لا يبدو أن ادلب تغريها، حيث أنها تركز معاركها في المرحلة الحالية على الشرق السوري، أي أنها قد تطمح بعد إستعادة السيطرة على مدينة الرقة بالذهاب إلى دير الزور لا إلى ادلب، بالرغم من أن الجيش السوري يضع دير الزور أيضاً ضمن دائرة حساباته.
في المحصلة، يبدو أن الجانب التركي قد يكون المرشح الأبرز لخوض معركة إستعادة السيطرة على ادلب من عناصر "تحرير الشام"، لكن الأكيد هو أنه لن يستطيع القيام بالأمر من دون التفاهم مع الجانب الروسي، الذي سيطلب ثمناً باهظاً في المقابل.