صحيح أن الأنظار تتّجه الآن إلى ما يجري في السلسلة الشرقية حيث استطاع «حزب الله» تحقيق انتصارات نوعية ضد المجموعات الإرهابية، وما يرافق ذلك من انقسام في المشهد اللبناني الداخلي بين مَن يُؤيّد هذا العمل العسكري ضد جبهة النصرة في جرود عرسال، وبين فئة تهاجم الحزب وتتهمه بالتفرّد في أخذ القرار في هذه المعارك، إلا أن هذا المشهد العسكري الذي ستكون له مفاعيله الإقليمية والدولية، كما المحلية، لم يحجب الحراك الاعتراضي الذي ما زال قائماً حول إقرار مجلس النواب لمشروع سلسلة الرتب والرواتب الذي هو الآن في طريقه إلى قصر بعبدا، بعدما وقعه الرئيس نبيه برّي أمس الأوّل، وأحاله إلى مجلس الوزراء، الذي يُرسله بدوره إلى رئاسة الجمهورية.
وإذا كان من الصعب الحكم المبكر على ما سيؤول إليه رأي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بمشروع الموازنة، فإن مصادر مقرّبة منه أكدت أن الرئيس عون سيأخذ المهلة الكافية لدراسته وفق ما تنص عليه المادة 57 من الدستور التي تنص على أنه «لرئيس الجمهورية، بعد إطلاع مجلس الوزراء، حق طلب إعادة النظر في القانون مرّة واحدة ضمن المهلة المحددة لإصداره ولا يجوز أن يُرفض طلبه، وعندما يستعمل الرئيس حقه يصبح في حلٍ من إصدار القانون إلى أن يُوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه، وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً. وفي حال انقضاء المهلة من دون إصدار القانون أو إعادته، يُعتبَر القانون نافذاً حكماً ووُجب نشره».
وتؤكد هذه المصادر أن رئيس الجمهورية يحرص على عدم إقرار سلسلة الرتب والرواتب، كما أنه يحرص على إيصال «السلسلة» لأصحابها، وهو حكماً سيُجري دراسة شاملة، مع ذوي اختصاص، للضرائب التي أقرّها مجلس النواب لتغطية إيرادات هذه السلسلة.
مع التذكير هنا بأن الرئيس عون كان قد أعاد ثلاثة قوانين كان أقرّها المجلس في جلسته التشريعية في الخامس والعشرين من كانون الثاني الماضي، وذلك لإعادة النظر بها، وقد صدرت مراسيم الإعادة، وفقاً للأصول الدستورية وبعد إطلاع مجلس الوزراء عليها، وهذه القوانين هي: القانون الرامي إلى تعديل القانون رقم 441 تاريخ 29/7/2002 المتعلق بأصول التعيين في وظيفة أستاذ تعليم ثانوي في المدارس الرسمية، والثاني القانون الرامي إلى تنظيم مهنة تقويم النطق، أما الثالث فهو القانون الرامي إلى تنظيم مزاولة المهن البصرية.
وفي هذا السياق، رجحت مصادر نيابية أن لا يُقدِم رئيس الجمهورية على ردّ مشروع السلسلة ضمن الحق المعطى له أي الشهر، وفي حال فعل ذلك فإنه سيُصار إلى التأكيد على الموضوع بالاكثرية المطلقة في مجلس النواب، خصوصاً وأن تفاهمات سياسية كانت قد أحاطت بالمشروع قبل مناقشته وإقراره في مجلس النواب، اللهم إلا إذا تنصّلت بعض الكتل من هذه التفاهمات وأعادت خلط الأوراق مجدداً، وهذا الأمر – إن حصل – سيُشكل سابقة من شأنها أن تعيق العمل التشريعي الذي يحتاج إلى مثل هذه التفاهمات لإقرار بعض المشاريع أو اقتراحات القوانين التي تكون محط خلاف.
وإلى أن يُبدي رئيس الجمهورية رأيه بأن إقرار السلسلة والإصلاحات التي تزامنت مع إقرارها لا تزال موضع ردود فعل رافضة لها، وقد ترجم المتقاعدون بالأمس هذا الرفض من خلال الحركة الاحتجاجية التي قاموا بها أمام مبنى الـ TVA والذي تزامن مع موقف حاسم لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، الذي يتجه للمطالبة بأن يكون يوم الجمعة يوم عطلة، بخلاف ما صوّت عليه مجلس النواب لجهة إعطاء وقت للموظف لكي يُؤدّي الصلاة، ومن ثم يعود إلى العمل.
وفي موازاة ذلك، فإن المجلس الأعلى للقضاء بدأ تحركاً فعلياً للاعتراض على ما لحق من غبن بحق الجسم القضائي على حدّ تعبير رئيسه، وهو كان قد أبلغ موقفه إلى رئيس مجلس النواب. وفي هذا الإطار علم أن هناك اتجاهاً لتقديم اقتراح قانون معجّل مكرّر يرمي إلى تصحيح سلسلة الرتب والرواتب المتعلقة بالقضاء، وهذا الاتجاه أبلغه وزير العدل سليم جريصاتي للقاضي جان فهد الذي قدّم أمس لرئيس الجمهورية عرضاً عن «وضع القضاء العدلي والتطورات التي استجدّت بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب وما تضمنته من نصوص قانونية تؤثر على نظام الحماية الاجتماعية التي يستفيد منها القاضي العامل والمتقاعد من خلال صندوق تعاضد القضاة».
وفي السياق نفسه، عُلم أن رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل يُجري مروحة من الاتصالات في سبيل تأمين توقيع عشرة نواب لكي يتمكن من الطعن بالمشروع أمام المجلس الدستوري.
ونظراً لتعذر ذلك حتى هذه اللحظة فإنه يُعوّل على رئيس الجمهورية بأن يقوم بردّ المشروع.