تل أبيب تشعر بالصدمة مرة أخرى، وهي تتابع الإنجاز العسكري الهائل لمقاتلي "الحزب" في أعقد تضاريس لبنانية - سورية، بوجه مسلّحين تكفيريّين تمّت تعبئتهم لسنوات طوال تحضُّراً للمواجهة الكبرى مع حزب الله.. إلا أن "صدمة النتائج" تحوّلت إلى "كارثة استراتيجية"، حسب توصيف أحد المحللين العسكريين "الإسرائيليين" على القناة الثانية العبرية، لم يتردّد بتحذير تل أبيب من مغبّة الدخول على خط المعارك التي يخوضها مقاتلو الحزب ضد المسلحين "الحلفاء" في جرود عرسال، في وقت كشف مصدر صحافي روسي أن جنرالاً سابقاً في الجيش "الإسرائيلي" نقل عن مسؤول أمني أردني وصفه بـ"رفيع المستوى"، معلومات تشير إلى مفاجأة "غير مسبوقة" أعدّها الحزب لـ"اسرائيل"، رداً على أي ضربة باتجاه أهداف له في الجرود، من مكان غير متوقَّع على الإطلاق.
حتى اللحظة بقي مصير "أمير جبهة النصرة" في القلمون أبو مالك التلي مجهولاً، ما خلا بعض المعلومات الصحفية اللبنانية التي ذكرت أنه طلب الاستسلام مع مجموعته، بعد أربعة أيام على انطلاق المعارك، والتي حُسمت لصالح حزب الله. التلي مازال يراهن على تدخُّل "إسرائيلي" يعيد خلط أوراق ونتائج المعركة، سيما أن تقارير عدة أكدت أنه أرسل طلباً مُلحاً لقادة "إسرائيليين" بضرورة المسارعة في شنّ غارات على مواقع الحزب في الجرود؛ على غرار تلك التي كانت تستهدف ما كانت تدّعيه "إسرائيل": حمولات صواريخ "كاسرة" في طريقها إلى ترسانة حزب الله. كما أكدت التقارير أن التلّي أوفد اثنين من المقربين له للاجتماع بأحد ضباط جهاز "أمان الإسرائيلي"، في إحدى مستعمرات الجولان، قبل يومين من تحديد ساعة صفر انطلاق المعارك في الجرود، أعقبه تعزيز غرفة عمليات "النصرة" في موقع حقاب الخيل؛ بأجهزة اتصالات مباشرة مع الجهاز المذكور، إلا أن مقاتلي المقاومة عمدوا إلى التشويش على موجات اتصالاتهم، لتمسح أي فاعلية لإدارة العمليات، قبل أن يجهز مقاتلو نخبة "الرضوان" عليها وتفضي النتيجة إلى مقتل مَن فيها، بينهم أحد وسيطَي التلّي اللذين التقيا ضابط الجهاز "الإسرائيلي" الأسبوع الماضي، حسب ما رجّحت معلومات صحافية مواكبة.
يدرك حزب الله أن اللاعب الأقوى "الخفي" والمعني بمجريات ونتائج معركة الجرود بشكل كبير هو "إسرائيل"، التي لم تبخل مع دول حليفة لها في المنطقة بتقديم الدعم التسليحي والاستخباري للمجاميع المسلّحة التي زرعتها على طول السلسلة الشرقية، بهدف فرضها تهديداً وحبلاً يطوّق عنق المقاومة. وتضع قيادة "الحزب" إمكانية التدخل "الإسرائيلي" في مجرى المعارك الجارية، احتمالاً قوياً، ولذلك أبلغت جهات إقليمية أن الرد على أي تهوُّر قد تلجأ إليه "إسرائيل" أُخذ بالحسبان، وتمّ تجهيزه قبل إعطاء إشارة صفر انطلاق العمليات العسكرية.
ثمة سيناريو خطير كان يُرسم للبنان، التفّ عليه حزب الله ونسفه من خلال عملياته في الجرود، قبل أن يجد طريقه إلى التنفيذ، ولعبت دمشق دوراً كبيراً في إحباطه، من خلال مساندة الطيران الحربي السوري المركّزة واللافتة في العمليات العسكرية منذ بدئها، ولأول مرة خارج الحدود.. فلنعد إلى الأيام التي سبقت تحديد ساعة صفر انطلاق معارك الجرود.
بقدرة قادر وبتوقيت خبيث ومشبوه حُرِّك ملف النازحين السوريين في لبنان، وانتشرت مقاطع فيديو متبادلة وشائعات مسمومة على وسائل التواصل بين اللبنانيين والسوريين، سرت كالنار في الهشيم، بقصد تأليب الشعبين على بعضهما البعض، وتهييج مشاعرالحقد والضغينة بينهما إلى الحدود القصوى، في لحظة مفصلية يشهدها الميدان السوري، الذي أبرز انتصارات استراتيجية غير مسبوقة للجيش السوري وحلفائه منذ شهر حزيران الماضي. الغرف السوداء تحرّكت سريعاً؛ المطلوب إحداث فتنة عشواء تحرق الطرفين على حد سواء، تزامناً مع تحريك جمر المخيمات الفلسطينية، على أنّ تدخل ضربات "إسرائيلية" ضد مواقع حزب الله في الجرود، ينفذ من خلالها إرهابيو "النصرة" للدخول على الخط والزحف نحو عرسال وما بعدها، بما يفضي إلى فرض واقع خطير في لبنان يكبّل أيدي المقاومة، وكشف ظهير الجيش السوري في الجانب الآخر، وبالتالي إعادة الأمور الميدانية في سورية إلى المربع الأول.
معلومات صحفية لبنانية كشفت أن حزباً لبنانياً فاعلاً، معادياً للمقاومة، نسّق مع جهات إقليمية معادية هذا السيناريو من ألفه إلى يائه، بقصد إشعال فتيل تقاتل دموي بين اللبنانيين والسوريين في لبنان ليصار إلى تحقيق هدف يتمثّل بالمطالبة بقوات دولية تعقب جلسة طارئة لمجلس الأمن، وقد يُفهم من هنا "لغز" الحراك الأميركي المشبوه منذ أشهُر في لبنان، بهدف استحداث قاعدة عسكرية أميركية في مطار رياق، إلا أن حزب الله نسف السيناريو المزمَع، واستبق بدء عملياته في الجرود بضربات استباقية بدت لافتة جداً، عبر تعاونه مع مخابرات الجيش اللبناني، في اجتثاث رؤوس وخلايا إرهابية في المخيمات الفلسطينية، أفضت إلى تحييدها، ما شكّل للمقاومين مظلة آمنة خلال عملياتهم، أفضت إلى هذا النصر الكاسح.
هي معركة لا تنفصل عن المعارك الاستراتيجيّة التي خاضها الجيش العربي السوري وحزب الله وصولاً إلى الحدود السورية - العراقية، ولا شكّ في أنها شكّلت حدثاً استثنائياً كبيراً، إضافة إلى مضمونها ورسائلها ونتائجها العسكرية، "سيّما أنها أبرزت تنسيقاً مُبهراً على مدار الساعة بين ثلاثي: حزبُ الله والجيشين السوري واللبناني، استوقف الخبراء والمحلّلين العسكريين"، وفق تعليق المحلّل السياسي التشيكي "آلف لارش"، الذي كشف عن نصر استراتيجي قادم سيُنجزه محور المقاومة قبل نهاية الصيف، يعقبه حدث سياسي كبير في سورية، يتمثّل في زيارة شخصية عربية كبيرة إلى دمشق للقاء الرئيس بشار الأسد.