لم يشعر اللبنانيون أن هناك حماسة في وزارة الداخلية والبلديات لإتمام الإنتخابات النيابية الفرعية. رغم ان دوائر الوزارة تعدّ اللوازم وفق القانون الانتخابي الجديد. لا تزال الفترة الزمنية الممنوحة لهيئة الاشراف على الانتخابات قائمة، لكن هناك من أبدى الجهوزية، والبعض لا يزال يستمهل. القضية ليست تقنية، بقدر ما هي سياسية. فهل السبب هو عدم رغبة تيار "المستقبل" بحصول انتخابات فرعية؟.
مراجعة بسيطة تُظهر أن "المستقبل" هو من كان يؤيد كل تمديد نيابي ويدفع اليه. في كل مرة كانت دوافع التيار الازرق سياسية خوفاً من نتائج تداهم حسابات "المستقبل".
الآن هناك قلق لم يعد مخفياً من تمدد التأييد الشمالي، خصوصا الطرابلسي لتيار "العزم" الذي يترأسه رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي. القلق "المستقبلي" ليس محصورا هنا، بل من التحدي الذي يُظهره الوزير السابق أشرف ريفي. نتائج الإنتخابات البلدية لا زالت حاضرة في الحسابات الزرقاء، والخشية عند رئيس الحكومة سعد الحريري من تكرار التجربة في الإنتخابات الفرعية. تصريحات ريفي تعكس قدرته على تحقيق نتائج مشابهة، رغم ان الثُقل الطرابلسي بات يتمثل بالمد الميقاتي بشكل أساسي. أي تعاون بين الفريقين يحسم إنتخابات عاصمة الشمال، لينقلها رسمياً من كفة الى كفة.
فهل هذه الاسباب كافية عند التيار الازرق لنسف الانتخابات الفرعية؟ أم ان هناك ازمة مالية تستوجب عدم الصرف الآن حتى موعد الإنتخابات العادية العام المقبل؟.
تبدو جميعها اسباب قائمة، معطوفة على عدم رغبة "المستقبل" بتغيير الواقع الحالي ولا اجراء إنتخابات من شأن نتائجها ان تُظهر ضعفأً عند التيار الأزرق، ما يترك تأثيرا سلبياً على التحالفات المقبلة وحجم المطالب للقوى في الشمال في الإنتخابات العامة على حساب "المستقبل".
لكن وزارة الداخلية لا تستطيع نسف الانتخابات الفرعية، ولا تجاهلها، تحت طائلة التحرك السياسي الضاغط على الوزير نهاد المشنوق. في الساعات الماضية ارسل سياسيون وازنون رسائل لوزير الداخلية مباشرة او بالاشارة والتلميح، تفيد بضرورة بت الانتخابات تحت طائلة تحميل وزارة الداخلية مسؤولية عدم اجرائها. فلنفترض ان الإنتخابات حاصلة. لا يزال القانون يسمح بعشرة ايام تسبق دعوة الهيئات الناخبة، ما يعني ان ثلاثة شهور مقبلة ستحمل معها الإنتخابات الفرعية في تشرين الثاني المقبل.
السؤال: من يحالف من في طرابلس؟ مقعدان شاغران: علوي وارثوذكسي، بعد وفاة النائب الراحل بدر ونوس، واستقالة النائب روبير فاضل. هنا تقيس القوى السياسية بالميزان الدقيق الاصوات والقدرة التجييرية والتحالفات الممكنة، لتشكل الإنتخابات الفرعية مساحة اختبار تمهيدي للانتخابات العامة المقبلة في اول صيف 2018. لا بد من ارضاء العلويين اولا المعنيين بمقعد يمثلهم. ولا يمكن تجاهل الحزب العربي الديمقراطي تحديدا. اما بالنسبة الى المسيحيين، وبما ان احد المقعدين ارثوذكسي، فحياكة تحالف يجمع القوى المسيحية الفاعلة شمالا هو الباب لاستمالة الناخبين المسيحيين. يبقى اختبار الاصوات عند السنّة هو الاساس، لا بل هو الفيصل سياسيا وانتخابيا. يراهن ريفي على سخط الناس على السلطة القائمة. يراهن ايضا على التجديد المطلوب ابتداء من تغيير الاسماء، والاطلالة بشخصيات جديدة "غير محروقة". لا بدّ ان ريفي حضّر مجموعة من الاسماء لخوض الانتخابات العامة. لكن معظم المرشحين او الطامحين للوصول الى ساحة النجمة، يسعون للترشح من ضمن لائحة يدعمها ميقاتي.
ما بين الإنتخابات الفرعية والعامة مساحة اختبار قد تفرض على القوى السياسية اعادة الإعتبار لتحالفات ماتت، أو لمصالح تتلاقى، أو لمنافسات موزعة بأكثر من اتجاه. لكن الظاهر الوحيد حتى الان ان ميقاتي يملك زمام المبادرة، لكنه يستمهل. قد يشكل تحالفه المطروح مع ريفي اكتساحا طرابلسيا، فهل يتحمله "المستقبل"؟.