تردّدت معلومات أنّ اتصالات بدأت بين قيادتي حزب القوات اللبنانية وتيار المردة، منذ نحو ثلاثة أسابيع، برعاية كنسية لترتيب لقاء محتمل في بنشعي بين الدكتور سمير جعجع والنائب سليمان فرنجية. تقاطعت هذه المعلومات مع أخرى يوم أمس، أشارت إلى أنّ رئيس حزب القوات سيزور بنشعي الأسبوع المقبل أو الذي سيليه. هذا يعني أنه إذا صحّت هاتان المعلومتان فإنّ السياق السياسي أصبح ملائماً للقاء الطرفين. لكن أجواء "البيك" و"الحكيم" نفت ذلك.
وبانتظار الموقف اليقين من المسؤول عن ملف علاقة "المردة" - "القوات" الوزير السابق يوسف سعادة الموجود خارج لبنان، أشارت مصادر "بنشعي" لـ "البناء" إلى أنّ أيّ تطور جديد لم يحدث على خط بنشعي – معراب، كي يثمر لقاء بعد أسبوع أو أسبوعين وأن لا علم لها بما يتمّ تداوله في هذا الشأن. في حين دعت مصادر معراب إلى التوقف عن تضخيم مواقف الدكتور جعجع والنائب فرنجية من التحالف في الانتخابات المقبلة.
لقد حملت زيارتا وزيري الإعلام ملحم رياشي والصحة غسان حاصباني إلى بنشعي مؤشراً إلى تطوّر في العلاقة، من دون أن يعني ذلك أنّ لقاء رئيسَي "المردة" و"القوات" بات قريباً أو على الأبواب. صحيح أنّ اللقاء لم يعد مستحيلاً، لكن علينا انتظار التوقيت وما الجدوى والمصلحة منه، تؤكد المصادر القواتية لـ "البناء". فالعلاقة شهدت انفراجات كثيرة وعادت طبيعية إلى حدّ كبير، ومن الممكن أن تؤدّي الاتصالات إلى تحالف انتخابي في دائرة الشمال ومن الممكن أن تتعثر.
تغمز المصادر القواتية إلى تطابق الآراء في جلسات مجلس الوزراء بين وزراء القوات رياشي وحاصباني وبيار أبي عاصي من جهة ووزير تيار المردة يوسف فنيانوس من جهة أخرى، حول بعض الملفات التي خلقت تباعداً مع الوزير جبران باسيل.
بحسب مصادر مطلعة لـ "البناء" يُبدي "الحكيم" حرصاً على تدوير الزوايا مع بنشعي وحارة حريك. ينسجم ذلك، مع ما تؤكده مصادر معراب أنّ القواعد الشيعية لم تعُد تنظر إلى حزب القوات على أنه عدوّ ولم يعُد حزب الله عند القواتيين فصيلاً إيرانياً، حتى وصف مسؤول قواتي تطوّر العلاقة مع حارة حريك، بأنه "لم يكن مع حزب الله ولا حائط عَمَار، أصبح هناك حيطان عَمَار".
في الوقت نفسه، تؤكد المصادر المطلعة أنّ جعجع يحاول دغدغة المزاج الشعبي المسيحي العام ومناخ القرى الأساسية المعنية بالإنجاز الذي حققه حزب الله في جرود عرسال؛ وهي قرى للقوات فيها حضور (رأس بعلبك والقاع). لكن العلاقة بين معراب وحارة حريك لا تزال في المكان الذي تموضعت فيه، بمعزل عن أنّ جعجع لا يمانع الاستثمار بفرصة تحريك حالة التموضع من المكان الذي وصلت إليه. فرئيس القوات يدرك حقيقة المساكنة الأميركية في واقع المنطقة الجديد على ضوء انتصارات محور حزب الله والجيش السوري وروسيا وإيران، مع العلم أنّ ما يميّز "الحكيم" عن تيار المستقبل أنه براغماتي الحسّ، وليس أسير شعارات، حينما يرى معايير معادلات الواقع وأوزانها الحقيقية.
إنّ خطوة جعجع تجاه فرنجية ليست مرتبطة فقط بالتقاطع مع حزب الله، تلفت المصادر نفسها، فالتقارب مع رئيس تيار المردة ينطلق من زاوية مسيحيّة بالدرجة الأولى لها علاقة برغبته بالمزيد من "التطهّر" من ذكر الماضي (حادثة اغتيال الشهيد طوني فرنجية)؛ والمعروف أنّ جعجع منذ تفاهمه مع التيار الوطني بدأ يعتمد سياسة صعود السلّم درجة درجة من أجل اكتساب الأهلية الكاملة كي يكون مرشحاً رئاسياً خالياً من الندوب المبرقعة، فضلاً عن أنّ رئيس تيار المردة يشكل لجعجع قاسماً مشتركاً مع الرئيس سعد الحريري في ضوء أية تطوّرات مستقبلية.
وتضع المصادر المطلعة الانفتاح القواتي على "التيار المردي" في إطار التوازن مسيحياً في العلاقة مع العونيين، وتؤكد في تعليل هذا التقارب بـ"فتّش عن البترون".
وتشير المصادر إلى أنّ مجرد التلاقي يضفي مزيداً من الحيوية التراكمية على ما اكتسبته القوات في السنة الأخيرة، بخاصة بعد مشاركتها في الحكومة. فالدكتور جعجع لا يريد لهذا المنحنى البياني أن يبدأ بالهبوط، مع إشارة المصادر إلى أنّ اقتراب الحكيم من "بيك" بنشعي يعني إلى حدّ كبير الاقتراب من حزب الله وحلفائه الإقليميين، الذين يدرك جعجع نفسه أنهم ينتصرون، ولو أنه يتلافى الاعتراف بذلك.
في موازاة ما تقدّم، تقول مصادر معراب إنّ الخلاف في المسائل الاستراتيجية لا يفسد "عقد" التفاهمات الداخلية. لقد وضع إعلان النيات حداً لمخلفات الصراع الدموي. قد نختلف مع التيار البرتقالي في الانتخابات البلدية والاختيارية والنيابية والتعيينات الإدارية والكهرباء، لكننا حريصون على حماية التفاهم. وبالتالي ما تحقق مع التيار الوطني الحر قد يتحقق مع "المردة"، إذا صفت النيات...