ثمة لحظات تاريخية حاسمة ساهمت بتصحيح الواقع وإعادة تشكيله على نحو آخر. من هذه اللحظات الانتصار الذي حققته المقاومة في جرود عرسال على شراذم جبهة النصرة. تهاوت هذه الجبهة سريعاً أمام قوة المقاومين وبرز حطامها الذي يذكّر بما ارتكبه هؤلاء العابثون المفسدون من جرائم بحق اللبنانيين والسوريين، والذي انحدر بنقاء أهل هذه المنطقة وقيمها نحو الانحطاط والتسافل. من المؤكد أنّ هذا النصر يضعنا أمام صورة جديدة على مستوى المشهد الميداني، خصوصاً إذا ما أضفناه إلى سلسلة الانتصارات التي يحققها الجيش السوري وحلفاؤه، والحشد الشعبي في العراق، واللجان الشعبية وأنصار الله في اليمن، عندها سنكون أمام نمط جديد من التفاعلات بين عناصر وجبهات محور المقاومة التي تتّحد وتتشابك من أجل إعادة تشكيل مستقبل المنطقة بعيداً عن تدخلات المستكبرين والمستعمرين وأهل الجبن والخذلان من ملوك ونخب عربية منبطحة.
ما يجب أن يفهمه بعض اللبنانيين المعترضين على الإنجاز في جرود عرسال، هو التالي:
أولاً: إنّ هذا الإنجاز الذي تحقّق على أيدي المقاومين أبعد الكثير من المواجع والآلام والسوء والضرر والخوف عن اللبنانيين، خصوصاً أهل المنطقة الذين يعيشون بمحاذاة الجرود.
ثانياً: إنّ هذا الإنجاز يصبّ في مصلحة سيادة الدولة اللبنانية على أراضٍ احتلت من الجماعات الإرهابية ولا معنى لكلام هؤلاء الممتعضين الذين ثارت حميتهم ونخوتهم الوطنية، فحزب الله الذي حرّر الأرض من الاحتلال «الإسرائيلي» وسلّم أمن الجنوب للجيش والقوى العسكرية المختلفة سيفعل الأمر عينه.
ثالثاً: إنّ هذا الإنجاز يعكس قوة لبنان في وجه الجماعات الإرهابية ويبعث برسالة إلى العدو الإسرائيلي بأنّ لبنان عصيّ على الكسر.
رابعاً: إنّ هذا الإنجاز يضع لبنان ضمن الدول الأكثر مساهمة في دحر الجماعات الإرهابية التي تُقام في وجهها أحلاف، وتُعقد في سبيل تدميرها وتجفيف منابع دعمها اجتماعات ولقاءات على أعلى المستويات.
خامساً: إنّ هذا الإنجاز سيدفع الحواضن الاجتماعية في لبنان إلى موقع اليأس. فكلّ من أمّن بيئة حاضنة لهذه الجماعات سيجد أنّ مشروع هؤلاء فشل وهُزم وأن لا أفق من وراء دعمها.
سادساً: إنّ هذا الإنجاز سيعجّل من وتيرة هزيمة الجماعات الإرهابية في المنطقة، وبالتالي إنّ كلّ مَن وقف إلى جانبها بحجة كونهم ثواراً أو معارضة سيرتدّ وينقلب ويميل مع الرياح الجديدة. دولاب الدنيا يدور ولا شك في أنّ المرتزقين والمنافقين والمستثمرين سيبدّلون خط مسارهم. فمن كان يؤيد هؤلاء سنجده قد تملّص من دعمهم والهتاف على المنابر لهم.
سابعاً: تخلّص لبنان بفعل هذا الإنجاز من أن يكون ولاية أو إمارة تتبع مباشرة للجماعات التي كادت أن تجعل لبنان كله يفيض بالدماء والدموع، والمقاومة بذلك تكون منعت تقسيم لبنان أو هضمه وبلعه.
ثامناً: إنّ هذا الإنجاز تصرفه المقاومة وتترجمه في سبيل تصحيح الأخطاء السياسية التي وقعت بها بعض القوى اللبنانية، ومن أجل الامتناع عن ارتكاب خطايا مميتة تسبّبت بها هذه القوى لمصالح خاصة. إنّ حماية لبنان ومصير شعبه لا يمكن أن يخضعا لاستخفاف سلوكي وأحقاد نفسية، ففي العادة تقوم مصالح الدول والشعوب على مرتكزات وثوابت عقلانية ووطنية وأخلاقية صارمة. وهذا ما لم تمارسه الطبقة السياسية وبعض القوى المحلية، بل استعجلت التلاعب والتآمر وفق الحسابات الأجنبية. ولعلّ في هذا الإنجاز عبرة لكلّ هؤلاء أن لا ينساقوا وراء أهوائهم المضلة وان لا ينجرفوا مع الأهداف الضائعة!
تاسعاً: إذا كانت مخاطر الحرب قد انزاحت عن تلك الجرود، فإنّ هناك مناطق أخرى تحتاج إلى تحرير خصوصاً جرود رأس بعلبك والمطلوب أن نقف جميعاً، قوى حزبية وزعامات سياسية وكلّ أبناء الوطن خلف الجيش اللبناني للقيام بهذه المهمة. فلا يجوز بعد اليوم أن يُقيّد الجيش ويُمنع من تنفيذ مهامه الأساسية في حماية لبنان من هؤلاء الإرهابيين.
عاشراً: لقد أهدت المقاومة هذا الإنجاز إلى مَن يستحق ومن لا يستحق، وهي على تواضعها لا تطلب جزاءً ولا شكوراً. على رجاء أن يقوم هذا الذي لا يستحق بمراجعة مواقفه وسياساته، فيحترم دماء الشهداء التي روت تراب الوطن بالمجد، فيلتزم الأدب إزاء هذه التضحيات التي حمته من براثن الوحوش!