عندما يصدر تصريح عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان رافعاً المسؤولية عن المفوضية، بسبب ما تعتبره غياباً تاماً عن تعداد الذين غادروا مخيمات النزوح في جرود عرسال، فهذا لا ينفي أنّ المغادرين مسجّلون على قيود الأمم المتحدة بصفة نازحين وأنّ هؤلاء قرّروا التخلي عن هذه الصفة لارتباطهم العضوي وصلاتهم بعناصر إرهابية، ومعنى ذلك أنّ المفوضية تقارب ملف النازحين وفق حسابات تخالف طبيعة الدور الذي تضطلع به المؤسسات الدولية في هذا الخصوص.
إنّ تطوّراً بحجم سقوط نحو سبعة آلاف نازح افتراضي من لوائح الأمم المتحدة من الخطأ الجسيم تبريره بتصريح يقتصر على رفع المسؤولية، بل يجب أن يدفع المفوضية التابعة للأمم المتحدة إلى مراجعة جدية وشاملة لملف النزوح برمّته، والتوصل إلى تصنيف دقيق يحدّد مَن هم النازحون الفعليون، ومَن هم الذين اكتسبوا هذه الصفة بسبب إغراءات مادية، ومَن هم عناصر احتياط الإسناد للمجموعات الإرهابية؟ ومثل هذا التصنيف إنْ حصل فسيحدث صدمة للرأي العام يظهر معها حجم المبالغة في أعداد النازحين إلى لبنان.
المؤسسات الدولية وتلك المحلية التي عملت لصالحها لن تلجأ الى تصحيح الأرقام والسجلات. فهي بموجب هذه السجلات صرفت أموالاً طائلة. وهي على دراية كاملة أنّ آلية الصرف تتمّ طبقاً لسياسات الدول النافذة والمتحكمة، لذلك فإنّ أسهل الخيارات بالنسبة للأمم المتحدة أن تتذرّع بالغياب ورفع المسؤولية عنها.
عدا عن ذلك فإنّ المفوضية الأممية لا تواجه حرجاً طالما انّ وزير شؤون النازحين في لبنان هو الآخر موغل في الغياب عن ملفه وطالما يوجد في لبنان بيئة صالحة للتنصّل من أيّ مسؤولية، والكلّ يتذكّر في بداية الحرب على سورية خروج قوى وشخصيات لبنانية تروّج لسياحة النزوح في لبنان وتقديم حوافز للسائحين الذين يرتضون لأنفسهم صفة نازحين.
أما وقد انتهى زمن الاستثمار في سياحة النزوح وسياسته نتيجة صمود سورية وتقدّم جيشها وحلفائها على الجبهات كافة في معركة القضاء على الإرهاب، فإنّ هنالك مصلحة للمؤسسات الدولية المعنية بملف النزوح أن تجري تدقيقاً للأعداد في سجلاتها وأن ترفع المسؤولية فعلاً لا قولاً عن الذين لا تنطبق عليهم صفة النزوح ولا يواجهون ظروفاً إنسانية أجبرتهم على ذلك. وهذا من شأنه ترميم الصورة التي ظهرت بها الأمم المتحدة خلال سنوات الحرب الإرهابية على سورية.
ما هو مؤكد أنّ ملف النزوح لم يعُد يشكل ورقة أساسية تستخدم ضدّ سورية، خصوصاً بعد أن تجاوزت سورية مرحلة الخطر وأصبحت على مشارف النصر النهائي.
ما يصحّح الصورة ليس تصريحاً برفع المسؤولية والتنصّل، بل تحمّل المسؤولية الأدبية والإنسانية والتعامل مع الواقع بشفافية مطلقة علّ هذا التصرف يدفع الحكومة اللبنانية إلى الاتصال بنظيرتها السورية وإيجاد الحلول لملف النازحين السوريين…