على وقع معركة إنهاء «جبهة النصرة» في جرود عرسال، وفي انتظار معركة إنهاء «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع المتصل بها، يتراءى للبعض أنّ مصير الحكومة سيُطرح للبحث الجدّي بعد انتهاء هاتين المعركتين بسبب التباين في المواقف الداخلية إزاء هذا التطوّر الميداني على حدود لبنان الشرقية.
فقد قرأ فريق من السياسيين في التباين الذي حصل مباشرةً أو مداورةً حول المعركة التي خاضها «حزب الله» في جرود عرسال واستعادها من «النصرة»، ما يشير إلى أنه قد ينعكس سلباً على التضامن الحكومي ويمكن أن يحوّل الحكومة «حكومة تصريف أعمال»، فيما هي شُكّلت أصلاً لمهمتين أساسيتين هما إقرار قانون الانتخاب الجديد وإجراء الانتخابات النيابية التي كان مقرّراً موعدها في 21 أيار الماضي، الأمر الذي لم يحصل، فمدّدت ولايتها حتى أيار 2018 تيمُّناً بتمديد ولاية مجلس النواب حتى ذلك التاريخ.
وكانت فكرة إجراء تعديل حكومي قد طرِحت قبل أسابيع، وروَّج لها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل على قاعدة أنه يَرغب في تغيير بعض وزراء التيار، ولا سيّما الأرثوذكسيين منهم، لعدم رضاه على أدائهم مقارنةً مع أداء وزراء «القوات اللبنانية» الأرثوذكسيين، ولكنّ هذه الفكرة قوبِلت برفض المعنيين بالشأن الحكومي.
ويبدو أنّ البعض سيعاود طرحَها قريباً بسبب تمدّدِ عمر الحكومة الذي كان مقرّراً أن ينتهي بإجراء الانتخابات في أيار الماضي. ويبدو أنّ مطلب هذا التعديل الحكومي لا يقتصر على «التيار الوطني الحر» فقط، وإنّما يشاركه فيه تيار «المستقبل» الذي يَرغب في تغيير بعض وزرائه لعدمِ رضاه على أدائهم أو لأسباب ومبرّرات أخرى تتّصل بواقع التيار الداخلي.
ويؤكّد معنيّون أنّ الذين يراهنون على إجراء تغيير حكومي بنوا هذا الرهان على أساس أنّ الخلاف السياسي بين بعض المكوّنات السياسية الأساسية سيَكبر، ولكن كلّ المؤشرات تدلّ إلى أنّ هذا الخلاف لن يكبر، فرئيس الحكومة سعد الحريري عكسَ في خطابه السياسي خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الاميركية واجتماعه مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب أنّه لا يريد الذهابَ بعيداً في النزاع مع خصومه وعلى رأسهم «حزب الله»، على رغم عدم تعليقِه على قول ترامب على مسمعه أنّ «الحزب» شريكه في الحكومة يشكّل تهديداً للبنان والمنطقة.
ولكنّ إعلام الحريري سارَع لاحقاً إلى تسريب أنّه كانت له مداخلات وتدخّلات في واشنطن خفّفت من حجمِ العقوبات الجديدة التي فرَضها الكونغرس الاميركي على «حزب الله».
علماً أنّ «مفاجأة» المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم التي أعلنَها للصحافيين في اللبوة إثر تبادلِ الأسرى والموقوفين بين «حزب الله» و«النصرة» من أنّ الحريري هو من طلبَ منه قبل عشرة أيام التفاوض مع «النصرة» قرَأ البعض فيها أنّ الحريري «كان في مكان ما شريكاً سياسياً في عملية تحرير جرود عرسال من «النصرة».
فالحريري، حسب هؤلاء المعنيين، لا يريد بأيّ شكل من الأشكال قطعَ ربطِ النزاع القائم بينه وبين «حزب الله» حتى ولو تقلّصَت كتلته النيابية إلى 17 أو 18 نائباً في الانتخابات النيابية المقبلة.
فالرَجل يتصرّف على أساس أنّ رئاسة الحكومة باتت معقودة له إلى أجلٍ غير محدّد أياً كان حجم كتلته النيابية، وهو يقدّم نفسَه أمام حلفائه أو المحور الحليف له أنه جدير في أن يكون في موقع ندّي في مواجهة المحور الآخر الذي يتقدّم ويُراكم إنجازات في إطار مشروعه وأهدافه على مستوى لبنان والمنطقة.
علماً أنّ الحريري مِن موقعه بين هذين المحورين يُدرك، وكذلك الآخرون، أنّ المعارك الجارية الآن في جرود عرسال وغيرها هي ذات نتائج كبرى تتجاوز لبنان وكلّ القوى السياسية العاملة فيه.
ولذلك لا يرى الرَجل ضيراً في اعتماد سياسية رفعِ الصوت حيث يجب رفعُه، بغية الحفاظ على موقعه، لأنّ الواقع الذي نشَأ منذ العام 2005 انتهت مرحلته، كما أنّ الرهان على تطوّرات دراماتيكية إقليمية تُغيّر مسارَ الأوضاع الداخلية لم يعُد مجدِياً في ظلّ الحرب الدولية المتعاظمة للقضاء على الإرهاب.
ولذلك ستحاول قيادة تيار «المستقبل» الحفاظ على وتيرة خطابٍ سياسي تساعدها على تحقيق مزيد من الاستقطاب السياسي والشعبي المطلوب لتحقيق إنجازات داخلية تعزّز موقعَ التيار سياسياً وتَخدم مصلحته انتخابياً، لأنّه يرى أنّ خصومه يستمرّون في مراكمة إنجازاتٍ تشكّل رصيداً سياسياً وانتخابياً سيستغلونه في معاركهم الانتخابية والسياسية المقبلة في مختلف المجالات.
ويَعتقد هؤلاء السياسيون أنّ تيار «المستقبل» يتلاقى و«التيار الوطني الحر» على جدوى فكرة التعديل الحكومي على قاعدة أنّ هذه الحكومة تجاوزَت عمرَها الذي كان محدّداً ببضعة أشهر ومدّدت لنفسها 11 شهراً بحكمِ تمديد مجلس النواب لنفسه هذه الأشهر الإحدى عشر نفسها، فبعد أن كان عمرها ستة أشهر فقط أضيفَ إليه 11 شهراً فصار 17 شهراً، بقي منها حتى الآن عشرة أشهر، ولذا لن يجازف أحد في طرحِ التغيير الحكومي طالماً إنّ مهمّة الحكومة ما تزال إجراء الانتخابات في الموعد الجديد أي أيار 2018، وإن كان البعض يتخوّف من أن يتمدّد عمرها في حال طرأت ظروف ما وحالت دون إجراء الانتخابات في موعدها الجديد.
على أنّ «المستقبل» يستند في جانب من موقفه إلى العلاقة الصامدة بينه وبين «التيار الوطني»، وهي صامدة «براغماتياً»، أي مصلحياً وترويجياً وسياسياً وليس في وارد التفريط بها، فهو حريص على بقاء زعيمه الحريري طويلاً في رئاسة الحكومة، في الوقت الذي يطمح «التيار الوطني» إلى أن يكون رئيسه باسيل وريثَ العهد رئاسياً، وليس سياسياً فقط.
ويتقاطع الحريري وباسيل على عدم جدوى الخضوع لاختبار الانتخابات النيابية الفرعية في طرابلس وكسروان، فالأول لا يريد الخضوع الآن لامتحان انتخابي في عاصمة الشمال قبَيل انتخابات أيار 2018، فيما الثاني لا يريد أيضاً الخضوع الآن لامتحان انتخابي في كسروان عاصمة الموارنة، لأنّ ذلك قد يَخلط الأوراق داخل «البيت العوني» وعلى مستوى مستقبل «التيار الوطني» والعلاقة بينه وبين القوى السياسية المسيحية الأخرى.