– حتى الآن لا تبدو حرب اليمن تتجه لتوقف قريب كما لا تبدو أزمة البحرين تقترب من الحلّ السياسي ولا الشرق السعودي يبدو ذاهباً للاستقرار في ظلّ مذابح العوامية المفتوحة، لكن خارج المشهد الخليجي الذي يبدو مرتبطاً عضوياً بمصير النظام السعودي الحاكم ونظرته لمستقبله، وهو يفتح فوق جروحه المثخن بالفشل جرحاً خليجياً عنوانه قطر، بسبب هذه الخصوصية لتلازم مصير النظام مع صورته الخليجية، أيّ حيث لا مكان للعقلانية ولا مكان للسياسة، لكن حيث المكان للحسابات السياسية لا تبدو السعودية تعيش حال الترف التي كانت عليها والتي كانت تتسع للرغبات والأحقاد والعناد والكيد، كما لا تبدو السعودية تملك الوقت لتنظيم الاستدارة. وكذلك لا تبدو السعودية في حال صاحب الفيتو على الخيارات، كما كانت الحال عليه من قبل، بل تبدو السعودية نادمة على الوقت الذي أضاعت فيه فرص التموضع من موقع أفضل، وتبدو مستعجلة لطيّ الملفات وإغلاق الجبهات، ويصير حصار قطر في الملفات الخارجية ثمناً كافياً للربح وتبديل المواقع.
– مَن يستمع لكلام رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري عن معركة حزب الله في جرود عرسال، وارتباكه وتلعثمه في حضرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لا ينتبه فقط لكون كلام كتلته خارج السياق، بل لكون كلامه جزءاً من سياق سعودي جديد، لا مشكلة لديه في أن يقاتل حزب الله وينتصر على مَن كانوا يوصفون بالثوار السوريين وصار اسمهم جماعة قطر. ومَن يتابع ضمّ الغوطة الشرقية في دمشق لمناطق التهدئة برعاية سعودية مصرية، ومحورها انضمام «جيش الإسلام»، آخر بقايا الحضور العسكري لجماعة السعودية في سورية، من ضمن معادلة الحرب على النصرة، يعرف أنّ التموضع سعودي وعنوانه القبول بما رسمه التفاهم الروسي الأميركي تحت سقف أنّ المعركة مع الدولة السورية وجيشها ورئيسها قد انتهت. ومَن يتمعّن بزيارة السيد مقتدى الصدر إلى الرياض خارج سياق مناقشة صحة أو عدم صحة موقف الزائر، لا بدّ أن يلفته التسليم السعودي بأنّ المكوّن العراقي الطائفي الذي كانت الحرب معه عنوان الحركة السعودية في العراق، تحت عنوان السعي لتقاتل أهلي بين مكوّنات العراق، يعود للسياسة. والسياسة هنا لا تعني انضواء تحت سقوف الخصوم، بل مغادرة لغة المواجهة والمكاسرة والحروب، إلى قواعد اللعبة السياسية، وما فيها من ضرورات وتحالفات، تحت سقف التسويات.
– يمكن القول إنّ المعركة مع قطر تحمل بعض كلمة السرّ في التموضع السعودي الجديد، لكنها لا تكفي للتفسير، فالمنطقة في قلب حروب كبرى متداخلة كانت السعودية على خطوط النار المتقدّمة فيها، لا يختصرها الخلاف مع قطر، لكنه من ثمار لنتاج هذه الحروب حيث هزمت السعودية وقطر معاً، وصار توزيع أرصدة فواتير الهزيمة سبباً للنزاع. والسعودية كابرت، حيث كانت فرص للمكابرة وأنكرت، حيث كان للإنكار مكان، لكن السياقات التي بلغتها الحروب وفرضت على الأميركيين الشعور بأنّ الخيارات تضيق وأنّ نصر المحور المقابل الذي تقوده إيران يبدو واقعاً لا محالة، وأنّ الذهاب لخيار التسويات لحفظ ماء الوجه، وتخفيض فواتير الخسائر صار حتمياً، وما صار مفروضاً على جدول الأعمال الأميركي، صار حقيقة سعودية راسخة، طالما لم يعد بيد السعودية ما تقدّمه لطلب تمديد الحروب، ومنحها المزيد من المهل والفرص.
– السعودية تتموضع، وإيران لم يعد ممكناً إبعادها عن مكانة الدولة الإقليمية الأولى، فيما تركيا مرتبكة، و«إسرائيل» تسعى للاحتماء من الرياح الآتية.