بدأت حركة السواح العرب والاجانب تنشط في مدينة صيدا، حيث تستقطب قلعة صيدا البحرية هؤلاء، لتعكس الحركة السياحية الناشطة في عاصمة الجنوب التي ما زالت تحافظ على الكثير من المعالم الاثرية والتاريخية، اضافة الى الابنية التراثية التي تعود الى عصري المماليك والعثمانيين، فيتحول معبد اشمون والقلعة البحرية وخان الافرنج وسواهما الى محط رحال لهم.
وقلعة صيدا البحرية أو ما يطلق عليها قصر البحر، والتي تبلغ مساحتها 3859.5 مترا مربعا، تنتصب منذ عقود طويلة عند الطرف الغربي للمدينة شاهداً على عراقتها وانفتاحها على حضارة الغرب ودول المتوسط، وعلى حكايات الصيادين ورزقهم مع البحر، وعندما يقترب الزائر من وسط المدينة حيث جامع الزعتري يتجه يميناً ليصل الى القلعة البحرية التي تعتبر اليوم من أهم المعالم الأثرية في صيدا.
أقيمت هذه القلعة فوق صخرة ناتئة في البحر "جزيرة صغيرة" على مسافة ثمانين متراً من الشاطئ، بحيث انها تؤمن الحماية للمدافعين عنها ضد العمليات العسكرية البحرية المعادية، وتشكل في الوقت نفسه جسراً يمكنهم من الاتصال بمصادر دعمهم وامداداتهم في الغرب، وشيدت القلعة البحرية ما بين سنتي 1227 و1228 ميلادي على أيدي جماعات تنتمي الى الحملة الصليبية السادسة، واستخدمت في بنيانها الحجارة المنحوتة الجاهزة وجذوع الأعمدة الموضوعة عرضياً داخل الجدران، التي أخذت من بين أنقاض ما تهدم من أبنية قديمة يعود بعضها الى العصر الروماني.
ترتبط القلعة داخل البحر، بالشاطئ بواسطة ممر أو جسر رُمم مؤخرا، يقوم على عقد من الحجارة تستند أطرافها الى ركائز حجرية ضخمة، ويفترض انه كان في ما مضى ينتهي عند طرفه المقابل لمدخل القلعة بقنطرة خشبية (معبر متحرك)، يمكن رفعها أو تدميرها عند الضرورة لعزل القلعة عن البر والحؤول دون وصول المهاجمين اليها.
برجان وسور
تتألف القلعة من برجين يجمع بينهما جدار متين البنيان تهدم جزء كبير منه: البرج الأول يقع الى الشمال الشرقي من القلعة ويقابل مدخلها الرئيسي، وهو مستطيل الشكل (1721م) بنيت جدرانه من حجارة ضخمة منقولة وعلى جداره الشرقي من الخارج، أطراف جذوع الأعمدة الغرانيتية الرومانية الممددة والموضوعة عرضياً داخله، تدعيماً للبناء ومضاعفة متانته وتحصينه.
أما البرج الثاني فيقع الى الجهة الجنوبية الغربية ويمثل مرحلتين تاريخيتين لأن الجزء الأسفل منه بني في العهد الصليبي من حجارة قديمة منقولة، بينما أعيد بناء الجزء الأعلى في العهد المملوكي وهو ما يؤكده النص المنقوش على لوحة رخامية ما زالت في مكانها فوق نافذة البرج المطلة على البهو الداخلي للقلعة.
شاهد بارز ومسجد
باجتياز البوابة الرئيسية، يظهر سور ثانٍ هو الداخلي للقلعة وله بوابات عدة بعضها باق والبعض الآخر مهدم، ووراء السور الداخلي نجد مساحة واسعة كانت قاعات كبيرة معدة للاجتماع وشؤون أخرى، وهذه الساحة مكشوفة اليوم للبحر من جهة الشمال لأن السور الشمالي للقلعة مهدم ولم يبق منه شيء. ومن قلب القلعة، يكون الصعود الى سطح البرج بواسطة درج حجري حيث نجد جامعاً صغيراً يعود الى العهد المملوكي، وهذا البرج كان أعلى مما هو عليه اليوم، لكن القسم العلوي منه مهدم لم يحفظه الزمن وقد كشف الهدم عن خزّانين للمياه يستطيع الزائر أن يطل عليهما من سطح البناء.
لعل ما يلفت الانتباه، هو أن واجهة البناء المقابلة للمدينة ذات شكل نصف اسطواني، وان مجموعة من النوافذ الصغيرة ومرامي السهام توزعت على مختلف جهاته للمراقبة والدفاع، أما المسجد الصغير داخل القلعة، فبني فوق ما تبقى من البرج الصليبي، الشمالي الشرقي وهو عبارة عن غرفة مستطيلة التصميم، مُقبّبة، يتصدرها محراب يلاحظ من الخارج. والقلعة على ما هي عليه الآن، باتت شاهداً بارزاً على ما عرفته صيدا خلال تاريخها، من صراعات وحروب مدمرة، وتحولت شعاراً ورمزاً للمدينة لما فيها من دلالات تمثلت في البناء نفسه وفي أعمال الترميم اللاحقة بخاصة أيام الأمير فخر الدين.
ويصف المهتم بالشأن الصيداوي فؤاد الصلح، القلعة البحرية بانها نموذج معماري فريد ولكنها تعاني من فجوات سدت بحجارة صخرية، تتخذ شكل فوهة المدفع الحديدي لأن المدافع الأصلية أصيبت بالصدأ نتيجة عوامل الطبيعة البحرية ومناخها وعدم صيانتها ما ساهم في تسريع تآكل الصخور والمواد الحديدية، الواجهة الغربية فيها خضعت لعمليات ترميم خجولة مقارنة بالأضرار الكبيرة التي تخلفها أمواج البحر والأنواء البحرية على جدران القلعة الصخرية، مسببة في بعض الأحيان انهياراً لبعضها، مشيرا في حديث لـ"النشرة"، الى انه في 18 شباط 2003، انهار جزء من القلعة في زاويتها الشمالية الغربية، فظهرت تشققات بالحائط الغربي، ما ينذر بحصول انهيارات، لكنّها دُعّمَت بشكل أولي على أن يتم إنشاء سور واق من المياه لصدّ الأمواج عن أساسات القلعة من دون أن يحصل ذلك، وفي 2009 عملت المديرية العامة للآثار والبلدية على وضع مشروع متكامل لإعادة ترميم القلعة، متسائلاً، ولكن أين أصبح هذا المشروع؟.
ارقام ورسوم
سجّل شباك التذاكر عند مدخل قلعة صيدا البحرية التي تشرف عليها بلدية المدينة نحو 10 آلاف سائح، علما ان الدخول الى قلعة البحر ليس مجانيا، كما هي الحال بالنسبة لباقي المواقع الاثرية في المدينة، اذ يدفع السائح الاجنبي 4 الاف ليرة لبنانية، بينما العربي واللبناني يدفعان 2500 ليرة لبنانية والطلاب الف ليرة لبنانية.
لا يضاهي المشهد من على سطح هذه القلعة أي مشهد آخر، اذ يمكن رؤية روعة مدينة صيدا التي تضج بالحياة والحركة، ومعاينة ميناء الصيادين والمرفأ الى جانب المقاهي الشعبية والفاخرة التي تتداخل مع مآذن المساجد وقِبَبَ الكنائس لتزيد من روعة المنظر.