منذ بداية الحرب السورية، كان من الواضح وجود صراع على النفوذ بين محورين إقليميين أساسيين يدعمان فصائل المعارضة، هما المحور الإماراتي-السعودي والمحور القطري-التركي، حيث ركز الأول على دعم الفصائل التي تدور في فلك ما يسمى "الجيش السوري الحر"، لا سيما "جيش الإسلام"، في حين ركز الثاني على دعم الفصائل ذات التوجهات الإسلامية، المعتدلة والمتطرفة منها، وحتى اليوم لا تزال أصابع الإتهام توجه إلى كل من أنقرة والدوحة بالوقوف وراء جبهة "النصرة"، أي الجناح السوري لتنظيم "القاعدة".
في المرحلة الراهنة، يبدو أن الساحة السورية ستكون على موعد مع تحولات كبرى، ناتجة عن قناعة أغلب القوى الفاعلة على المستويين الإقليمي والدولي بأهمية التركيز على محاربة التنظيمات الإرهابية، خصوصاً "داعش" و"النصرة"، وهو الأمر الذي ظهر من خلال الإتفاق عبر مؤتمر الآستانة على مسار مناطق تخفيف التصعيد، ومن ثم استكمل من خلال التفاهم الروسي الأميركي على وقف إطلاق النار في الجنوب السوري.
في هذا السياق، تلاحظ مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن مسار الأمور يشير إلى أن المحور السعودي سيكون هو الرابح الأبرز على حساب المحور الآخر التركي القطري، لا سيما بعد أن حظي المحور الأول بجرعة دعم قوية من الولايات المتحدة الأميركية مع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة، الّذي يبدي حماساً في التعاون مع كل من الرياض والقاهرة وأبو ظبي أكثر من أنقرة والدوحة على المستوى الإقليمي، وتذكر بمواقفها منذ بداية الأزمة الخليجية الأخيرة.
بالتزامن، تشير المصادر نفسها إلى أن واشنطن لا تزال حريصة على التعاون مع قوات "سوريا الديمقراطية"، ذات الأغلبية الكردية، على حساب تعاونها مع الجانب التركي الذي أبدى في أكثر من مناسبة غضبه من الدعم الأميركي المقدم إلى تلك القوات، وتلفت إلى أن الولايات المتحدة حتى الساعة لم ترد على كل طلبات أنقرة المتعلقة بالمعارض التركي فتح الله غولن.
وفي حين كانت أنقرة حريصة على التعاون مع الجانب الروسي في ملف مناطق تخفيف التصعيد، توضح هذه المصادر أن ما حصل في الآونة الأخيرة يؤكد بأن موسكو لم تتردد في التعاون مع الأفرقاء الآخرين لتحقيق هدفها، وتلفت إلى أنه في الإتفاق المتعلق في الجنوب السوري ظهر الدور الأميركي، إلى جانب الدورين السعودي والأردني، في حين أن ما يتعلق بالغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي ظهر الدور المصري السعودي حاسماً، عبر "تيار الغد" برئاسة أحمد الجربا، حليف قوات "سوريا الديمقراطية" والمحسوب على الرياض وأبو ظبي والقاهرة أيضاً في الوقت نفسه.
على هذا الصعيد، تشير المصادر المطلعة إلى أن من مناطق تخفيف التصعيد الأربعة، المتفق عليها في مسار الآستانة الذي يضم إلى جانب روسيا كل من إيران وتركيا، لم يبق إلا تلك التي تضم محافظة إدلب وأجزاء من ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي وأجزاء من ريف اللاذقية، وتجزم أن معالجة الواقع فيها هو الأصعب على الإطلاق، نظراً إلى أنها تعتبر معقلاً أساسياً لجبهة "النصرة" والقوى المتحالفة معها ضمن ما يعرف بـ"هيئة تحرير الشام"، الّتي نجحت مؤخراً في السيطرة على القسم الأكبر من محافظة ادلب بعد معارك مع حركة "أحرار الشام".
من وجهة نظر هذه المصادر، هذه المنطقة قد تكون الساحة الأساسية لأنقرة لحجز موقع لها في مناطق تخفيض التصعيد، لكنها توضح أن ذلك سيفرض عليها الدخول في معركة عسكرية لن تكون سهلة على الإطلاق، وتشير إلى أن تركيا سعت في الفترة الأخيرة إلى تحضير الأرضية المناسبة لذلك، من خلال سماحها بسيطرة "تحرير الشام" على القسم الأكبر من ادلب، عبر منعها فصائل ضمن غرفة عمليات "درع الفرات" من تقديم المساعدة إلى "أحرار الشام"، وتضيف: "الولايات المتحدة ليست بعيدة عن هذا التوجه حيث كانت قد أكدت مؤخراً، على لسان مبعوثها الخاص إلى سوريا مايكل راتني، أن "النصرة" وكل القوى التي تتحالف معها هدف للقوات الأميركية"، مشيرة إلى أنه "في حال تحققت هيمنة "النصرة" على الشمال سيصبح من الصعب على الولايات المتحدة إقناع الأطراف الدولية بعدم اتخاذ الإجراءات العسكرية اللازمة".
في المحصّلة، لم يعد أمام المحور التركي القطري إلا منطقة تخفيف التصعيد الرابعة لحجز موقع له في المعادلة السورية الجديدة، لكن هذا الأمر لن يكون بالسهولة التي جرى فيها ترتيب الأوضاع في المناطق الثلاث الأخرى.