بين مداولات مجلس الوزراء الكثيفة والغنية، ومضمون ما قاله وزير الداخلية نهاد المشنوق في برنامج كلام الناس مع الأستاذ مرسال غانم، يتبيَّن أنَّ لبنان يمرُّ، وسيمرُّ، بمرحلة دقيقة جداً في ظل أوضاع مالية واقتصادية غير مريحة، وفي ظل الحاجة إلى تحصين الإستقرار السياسي كمدخل إلى الحصانة النقدية، تحت طائلة أن يكون لبنان على طريق التقهقر.
***
حين دخل الوزراء إلى قاعة مجلس الوزراء في جلسة أول من أمس الخميس في قصر بعبدا، وجد كلٌّ منهم أمامه تقريراً يلخّص حال المالية العامة في البلد والوضع الإقتصادي والوضع الإجتماعي.
في التقرير أنَّ الأرقام الحقيقية للدين العام بلغت 110 مليار دولار وأنَّ نسبة البطالة تفوق 30 في المئة من اليد العاملة. وأنَّ التحويلات من الخارج انخفضت بشكل مريع بحيث لم تعد تتجاوز 4 مليار دولار، بينما كانت في السابق تصل إلى 7 مليارات دولار.
هذا غيض من فيض مما ورد في التقرير الذي أعده فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مع خبراء، لم يقرأه رئيس الجمهورية ويضعه في الدرج، بل تعاطى معه بأعلى درجات المسؤولية إذ وزَّعه على طاولة مجلس الوزراء ليضع الجميع أمام مسؤولياتهم، فهو لا يستطيع أن يقف متفرجاً أمام أرقام مرعبة من شأنها أن تُحدث تسونامي اقتصادي في البلد.
وقد يكون رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تعمَّد توزيع هذا التقرير ليفتح النقاش حول ملاءمة إقرار سلسلة الرتب والرواتب والإيرادات، مع وضع المالية العامة للبلد، وهو لهذا السبب دعا في مجلس الوزراء إلى ضرورة التقيد بالنصوص الدستورية التي ترعى إقرار الموازنة العامة، مركزاً على شموليتها ووحدتها، بمعنى أن يتم إقرار السلسلة مع الموازنة وليست منفصلة، لأنَّ كلَّ ما له علاقة بالإنفاق والإيرادات يُوضَع في مكان واحد هو الموازنة التي على أساسها يتم التعرف إلى حقيقة المالية العامة للدولة.
وأكثر من ذلك، فقد حثّ رئيس الجمهورية على تقويم الملاحظات التي نقلها إليه نقابيون ومسؤولون تربويون وقضائيون ومتقاعدون عسكريون حول السلسلة والضرائب، بموضوعية ودقة. وبعد كل ذلك يُبنى على الشيء مقتضاه.
وبناء عليه فهناك عدة خيارات حيال ذلك:
- الخيار الأول هو أن يمتنع رئيس الجمهورية عن توقيع قانوني السلسلة والإيرادات ويردهما إلى مجلس النواب، وأمامه شهر لهذه الخطوة، وقد بدأ هذا الشهر من تاريخ إقرارهما في مجلس النواب.
- الخيار الثاني أن يطلب التسريع في إقرار الموازنة العامة للعام 2017، ومن ثم إدخال السلسلة والإيرادات من ضمن الموازنة، وعندها يتبيَّن الحجم الحقيقي للمالية العامة:
نفقات وإيرادات.
وهناك وجهة نظر قيِّمة من فريق رئيس الجمهورية، مفادها أنَّ إقرار السلسلة فيما الموازنة ما زالت في مجلس النواب، هو إجراء تشوبه عيوب دستورية.
إنطلاقاً مما تقدَّم فإنَّ معمعة المالية العامة تستدعي المزيد من الدرس والتشاور.
خصوصاً أنَّ الوضع العام والمؤشرات المرتقبة لا تبشر بالخير، وهذا ما كشف عنه وزير الداخلية نهاد المشنوق لكلام الناس، حين تحدث عن إجراءات مرتقبة في حق لبنان من بعض الدول الفاعلة.
***
إذاً، لا بدَّ من التبصّر في حقيقة الأوضاع، لئلا يصل البلد إلى وضع لا يمكن بعده العودة إلى الوراء.