«هزيمة الغطرسة والاستعلاء ونشوة القوة. فقد سمحنا للفلسطينيين والعالم الإسلامي بجرنا إلى أزقة لا توجد منها مخارج معقولة... نسينا أنه توجد حدود للقوة، وأنه ينبغي العمل بذكاء وحساسية ومن خلال معرفة الخريطة وإدراك الحدود».
بهذه الكلمات لخص المحلل السياسي في صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، بن كسبيت نتائج المعركة التي دارت على مدى 12 يوما بين الشعب العربي الفلسطيني من جهة، وسلطات الاحتلال الصهيوني من جهة ثانية، على خلفية إقدام الأخيرة على فرض إجراءات تعسفية جديدة على بوابات المسجد الأقصى في محاولة لتكريس أمر واقع جديد ينتقص تدريجيا من السيادة الفلسطينية على الأقصى في سياق الخطة الإسرائيلية لتهويد المسجد الأقصى التي تبدأ بتنفيذ تقاسم السيطرة عليه على غرار ما حصل في الحرم الإبراهيمي في الخليل.
فحكومة رئيس الوزراء الصهيوني برئاسة بنيامين نتانياهو اضطرت مكرهة أولاً إلى إزالة البوابات الالكترونية على مداخل الأقصى،
وثانيا إلى التخلي عن فكرة زرع كاميرات مراقبة، وعمدت تحت ضغط الشارع الفلسطيني المنتفض على مدار الساعة إلى التسليم بمطالبه بعدم إحداث أي تغيير في الواقع القائم في منطقة المسجد الأقصى، وبالتالي عدم القبول بأقل من عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل الأحداث الأخيرة.
ولم تنفع تدخلات بعض الأنظمة العربية والغربية في محاولة إيجاد مخرج ينقذ حكومة نتانياهو من مأزقها ويحفظ بعضا من ماء وجهها، ووجد نتانياهو نفسه أمام معركة متدحرجة تنذر بتوسع وتجذر المقاومة والانتفاضة ضد الإجراءات التعسفية الإسرائيلية في شتى أنحاء فلسطين المحتلة، وكذلك اتساع الضغوط الدولية على الحكومة الإسرائيلية، وعودة العزلة الإسرائيلية في العالم.
وفي هذا السياق أشار المراسل السياسي لصحيفة «هآرتس»، باراك رافيد، إلى أن تحول حارس السفارة الإسرائيلية في عمان إلى رهينة في الأردن، بعد قتله المواطنين الأردنيين، «جعل نتانياهو يدرك أنه يقف أمام «العاصفة المثالية»، وأن المسافة التي تبعد عن فقدان سيطرة مطلق قصير جدا وأنه من الأفضل حل الموضوع».
لهذا وجدت حكومة نتانياهو ان خيار التراجع والتسليم بمطالب الشعب الفلسطيني، مع ما يعنيه ذلك من مضاعفات سلبية على قوة الردع الإسرائيلية في الموحلة المقبلة، أفضل من الاستمرار في التمسك بفرض الإجراءات التعسفية والإصرار على تغيير الأمر الواقع في المسجد الأقصى ومحيطه.
غير أن هذا الانتصار للشعب الفلسطيني حقق جملة من النتائج الهامة:
النتيجة الأولى: انتصار إرادة المقاومة والانتفاضة في مواجهة قرارات الاحتلال وبالتالي كسر قرار حكومة العدو ومنعها من نصب بوابات الكترونية أو كاميرات مراقبة على مداخل الأقصى. وهذا الانتصار يشكل انتصارا مدويا للشعب الفلسطيني وهزيمة واضحة للاحتلال، سوف يزيد من اقتناع الشعب الفلسطيني بأن العدو لا يتراجع إلاّ بالمقاومة وأنه لا تنفع معه سوى لغة القوة والمواجهة والتصميم والثبات على التمسك بعدم المساومة على الحقوق الوطنية.
النتيجة الثانية: نجاح الشعب الفلسطيني في قيادة المعركة وفرض سيادته على الأقصى وإحباط الخطة الإسرائيلية لفرض تقاسم السيادة في الأقصى كمرحلة أولى لتهويده، وعدم السماح لأي تسويات تجهض نضالاته، وهو أمر سيعزز موقفه المقاوم في الجولات المقبلة من المواجهة المستمرة مع الاحتلال.
النتيجة الثالثة: تقويض قوة الردع الصهيونية من خلال المواجهة الشعبية وإرادة الصمود لدى الشعب الفلسطيني، مما يفاقم مأزق الاحتلال ويقوي معادلة الردع التي فرضتها المقاومة في المواجهة العسكرية معه في قطاع غزة. ويضعف قناعات الرأي العام الإسرائيلي بالقدرة على إخضاع الشعب الفلسطيني وإجباره على التخلي عن حقوقه الوطنية في السيادة على أرضه ومقدساته.
النتيجة الرابعة: سقوط رهانات القيادة الصهيونية على عدم تحرك الشارع الفلسطيني دفاعا عن الأقصى وكذلك سقوط الرهان على محاولات تطويع واحتواء الوضع عبر السلطة الفلسطينية وتبين أن الشارع الفلسطيني هو من قاد المواجهة وألزم السلطة والفصائل بالسير وراء سقف الموقف الذي أعلنه، وأن من يتخذ موقفا دون هذا السقف سوف يعزل فلسطينياً ويعتبر مفرطا بالحقوق الفلسطينية في المسجد الأقصى.
النتيجة الخامسة: تبين أن الشعب الفلسطيني يختزن طاقات وقدرات كبيرة وقدرة على الاستنفار للدفاع عن القدس والمقدسات فيها عندما يكون هناك خطر أو تهديد حقيقي عليها، وأن الشعب الفلسطيني عندما يتحرك وينتفض ويقاوم فإن الرأي العام العالمي يتحرك لنصرته ودعم موفقه، وهذا يدلل من جديد أن طريق المقاومة ورفض المساومة هو الطريق إلى استعادة تضامن وتأييد الرأي العالمي العربي والإسلامي والدولي ومحاصرة العدوانية الصهيونية وإجبارها على التراجع.
النتيجة السادسة: استنهاض الجماهير الفلسطينية وتحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية إنما يتم من خلال خوض النضال وتصعيد المواجهة والانتفاضة والمقاومة مع الاحتلال، أما الدخول في المفاوضات مع العدو وتقديم التنازلات له فانه لم ينتج سوى الانقسام والصراعات الداخلية وإضعاف تماسك الجبهة الفلسطينية الداخلية، وهو الأمر الذي ساد بعد توقيع اتفاق أوسلو والدخول في دهاليز التفاوض العقيم مع العدو.
النتيجة السابعة: إن الطريق لإعادة توجيه البوصلة نحو فلسطين والمواجهة مع العدو الصهيوني المحتل لأرض فلسطين وأجزاء من الأراضي العربية إنما يكون بتصعيد المقاومة والانتفاضة.