كلما حقق حزب الله انتصاراً خرج من يقول إنّ الحزب يريد أن يصرف إنجازاته وانتصاراته في التسلّط والهيمنة على اللبنانيين. أو في تغيير هوية اللبنانيين وثقافتهم ليجعلها ملحقة بالهوية الإيرانية وثقافة ولاية الفقيه. أو في فرض نموذج للحياة مغاير تماماً على ما ألفه اللبنانيون من عيش حرّ وعادات دينية واجتماعية. هؤلاء يروّجون كذباً مثل هذه المزاعم، مع أنهم وقفوا على تجربة تحرير جنوب لبنان عام 2000 ونصر تموز 2006 التي أصبح فيها حزب الله قوة إقليمية فاعلة، ومع ذلك لم يصدر عن قيادة الحزب وأفراده ما يوحي بأنهم عازمون على تسييل فائض القوة في تغيير هوية اللبنانيين وثقافتهم، وفي فرض نمط للعيش على طريقة معينة، ولا في سلب نائب نيابته، أو وزير وزارته، أو موظف وظيقته، أو أن يضع سيفه على رقبة أحدٍ مهدّداً متوعّداً كي يسير في هذا الاتجاه أو ذاك. لم يحصل أن طالب بجوائز سياسية ومالية لتعزيز حضوره في مؤسسات الدولة، لقاء تضحياته التي لا يمنّ بها على أحد، بل كان دائماً يقول إن التضحيات في إطار المسؤولية والواجب الديني والوطني والإنساني.
في كلّ عطاءاته وتضحياته المعبّدة بالدم لم يكن ينتظر مكافأة من أحد، ولا كانت لديه أطماع في مناصب الدولة أو أيّ نوع من أنواع المزايا والمكاسب الدنيوية الزائلة. بل كان عمله خالصاً لوجه الله تعالى وامتثالاً لما يمليه عليه ضميره الإنساني وواجبه الوطني وعاطفته النبيلة تجاه الشعب اللبناني بأسره.
إلى هؤلاء الذين يتفوّهون بهذا الكلام من خلفية معادية بربكم هل وجدتم حزب الله يجوس بأقدامه دياركم أم يحميها بأغلى شباب عنده؟ وهل وجدتم حزب الله يقطع رأس أحد أم برموش مجاهديه يحافظ على حياتكم وأرزاقكم وأعراضكم؟ وهل وجدتم حزب الله يهدّد أحداً أم يصون سلامكم واستقراركم وحريتكم الدينية والسياسية والثقافية؟
لقد امتلكت بعض الأحزاب خلال الحرب الأهلية أقلّ بكثير مما يملكه حزب الله الآن، أما الجماعات التكفيرية فهي أيضاً على مستوى القدرات والإمكانيات العسكرية أضعف منه تنظيماً وتسليحاً، ومع ذلك يمكن أن نجري مقارنة بسيطة، فإننا سنجد أنّ بعض هذه الأحزاب وكلّ الجماعات التكفيرية توسّلت الإرهاب والإرعاب والتخويف والتسلط والبطش، وعملت على تقسيم الناس والأرض وتغيير الثقافات والهويات وقتل المدنيين والتضييق عليهم ومحاصرتهم والضغط عليهم وابتزازهم وسرقة أموالهم وحرق بيوتهم ومصادرة ممتلكاتهم. فهل ما صدر عن حزب الله يقترب بشيء من هذه الممارسات أم أنّ فائض القوة كان فائضاً في الأخلاق والتواضع والشكر لله والوفاء للناس.
إنّ نموذج حزب الله لن تجدوه في دول العالم، حيث يزعم بعضكم أنّه متحضّر. إنّ هذه الأخلاق العالية لن تجدوها إلا عند هؤلاء الذين فهموا الإسلام فهماً صحيحاً ووقفوا عند الحلال والحرام الذي يمثّل أعلى مراحل التقوى ودرجات الشرف ومراتب الغيرة الإنسانية والوطنية.