تتوقع أوساط متابعة لأجواء الهدنة «غير المعلنة» بين الأقطاب المحليين لـ«البناء» أن يخوض تيار المستقبل معركة انتخابية هادئة بعيدة عن التعصب المذهبي. فالتيار اليوم يبحث عن محطات تنزع عنه صفات مشبوهة كانت قد أحيطت بنشاطه طيلة السنوات الماضية التي انبثق عنها انقسام كبير بينه وبين خصومه بالجهة المقابلة التي يتزعمها حزب الله. ويضيف المصدر «تؤكد تصريحات الرئيس سعد الحريري الإيجابية تجاه حزب الله وتلقي الحزب بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله لمواقف الحريري إيجاباً والمجاهرة بذلك بخطابه الأخير. ويختم المصدر «تؤكد أجواء المستقبل ان هناك حالة امتعاض لديها من بعض الوجوه والأصوات التي باتت تشكل عبئاً على الرئيس سعد الحريري وبعضها تحوم حوله تساؤلات ارتبطت مباشرة بالأزمة السورية وبات أمام هذه الاسماء خياران لا ثالث لهما، اما الامتثال الى المرحلة الجديدة ومتطلباتها التي تفترض الابتعاد عن الأجواء إفساحاً بالمجال لبقاء الحريري على علاقة جيدة بالافرقاء، رغبة منهم بالتجديد له مرة جديدة رئيساً للحكومة، واما الانسحاب من خدمة تيار المستقبل الذي يبدو أنه بدأ ينفض الغبار عنه بالطريقة ذاتها التي بدأت السعودية تنحو نحوها بما يتعلق بالأزمة السورية، وذلك عبر تحميل المسؤولية لجيرانها بينهم قطر عن بعض المواقف وحديثها عن ارتباط الدوحة باتهامات تتعلق بدعم الإرهاب. وهو الامر نفسه الذي سيعيشه تيار المستقبل في الفترة المقبلة، فهل هناك من ستخلف وتفوته السفينة؟».
وبهذا الإطار تتضح اجواء الخلافات ومعها التمايز بين فريق يتبع لسياسة الرئيس سعد الحريري قلباً وقالباً، وفريق آخر يحوم حوله اسلوب الرئيس الاسبق للحكومة فؤاد السنيورة الذي يحفظ له مساحة متمايزة عن الحريري بناء على دعم او مطلب جهة «ما» خارجية، فرضته اسماً قوياً في المستقبل، كما يحكى بكواليس التيار الازرق، وفريق أخير ينسب نفسه الى الفريق الأول بالدم وبحماية امانة رفيق الحريري. وهو فريق تزعمه الوزير اشرف ريفي حتى انقسم وتباعد بعد ان انتفت اسباب الوفاق مع الحريري الذي اصبح تدريجياً بعيداً جداً عن مشروع ريفي السياسي خصوصاً ان الاخير بدا على محياه التطلع الى التزعم أولاً والى عدم الميل الى سياسات التوافق التي تؤدي به الى الالتقاء مع أفرقاء أخرين في البلاد لبدء مرحلة جديدة لا يريد ريفي التخلص منها عكس الحريري الساعي الى ذلك، كما يبدو عند كل مفصل تتاح له فرصة التعبير عن مواقف بدت اليوم أكثر من أي وقت مضى خطوات اولى نحو مواقف رجل دولة يتحمّل مسؤولية مشتركة غير مسؤول عن مواقف تيار أو حزب وغير خاضع لحسابات ضيقة، كما يرغب بأن «يظهر».
خوض الانتخابات النيابية المقبلة في ربيع عام 2018 وفق قانون انتخاب جديد يجزم مصدر سياسي رفيع لـ «البناء» أنها ستحمل مفاجآت كبيرة، وستدخل أسماء ووجوهاً جديدة الى مجلس النواب لا يتوقعها أحد عبر انتخابات لبنانية لبنانية، كما تفترض القوى للمرة الأولى. وهي الانتخابات التي يتوجه اليها الحريري فاتحاً آفاق التعاون مع الجميع ولا يبدو أن المستقبل بعيد عن حزب الله فيها اكان مباشرة او عبر حليفه التيار الوطني الحر وحركة امل وتيار المردة وغيرهم، مما تفترضه المصلحة. والمفارقة هنا ان ما افرده الحريري من اشارات الهدنة مع حزب الله والميل نحو التوافق في ما كان يسمّى خلافات كخوضه معركة عرسال بوجه الإرهاب باتت أكثر مع تقدم الوقت واحتساب عدد من الاستحقاقات التي نجح بينه وبين الحزب بالتوافق عليها بينها انتخاب رئيس للجمهورية ثم قانون للانتخابات، واليوم معارك عرسال التي جرت بهدوء تامٍ لا يمكن اعتبار بعض الاصوات موقفاً يتخفى به الحريري بعد أن بات ما يجمعه مع حزب الله أو حلفائه أكبر مما يفرقه عنه. واذا كان لا بد من العودة إلى الوراء قليلاً فإن اول تقدم نحو خطى التوافق كانت عبر تأييد طرح الرئيس الحريري لترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وهو معروف بصداقته بالرئيس السوري.
عملياً، لا يمكن للحريري العودة الى الوراء بما يتعلق بمرحلة الشحن والتحريض التي كان قد انتهجها تياره لسنوات سابقة. فالتقدم نحو التوافق يصعب فكرة العودة الى الاشتباك وإلى مواد تشعل الشارع السياسي مجدداً، لأن العودة في هذه الحالة ستكون «مكلفة» ومكلفة جداً، بالنسبة لمستقبل الرئيس الحريري السياسي ومستقبل تياره وفكرة خوض الانتخابات بأجواء تصعيدية مع ظروف إقليمية تتّجه نحو تكريس انتصار الرئيس السوري وبقائه رئيساً إضافة الى حلفائه كل من روسيا وإيران، حيث التقارب والتوافق مع حزب الله أكبر من أي وقت مضى.
سيكون أمام الحريري وقت كافٍ من اليوم حتى الربيع المقبل لاستشراف مرحلة سياسية جديدة موصولة بـ»نفضة» داخل تيار المستقبل أكان بالأشخاص أو بالأفكار من اجل العودة الى ذلك التيار الأبعد عن أفكار التطرف وربما تكون هذه اللحظة إن حانت هي اللحظة الوحيدة القريبة لفكر ونهج الرئيس الراحل رفيق الحريري بما يتعلّق بروحية تيار المستقبل المبنية على التوافق والتقارب بين جميع ابناء الوطن، فهل يصحّح الخلل الذي عاث خراباً بالأمانة؟