من بين الملفّات الحامية التي يُفترض أن يتمّ بحثها على طاولة مجلس الوزراء خلال الساعات المُقبلة، إن ضُمن جدول الأعمال أو من خارجه، ملفّ إستئجار بواخر توليد الطاقة في ضوء تقرير إدارة المُناقصات، وملفّ التعيينات التي جرى إرجاء البت فيها في المرحلة السابقة، وربما ملفّ الزيارات التي يُفترض أن يقوم بها وزراء في الحكومة إلى سوريا بناء على دعوات رسميّة، وكذلك ملفّ الإنتخابات النيابيّة الفرعيّة في طرابلس وكسروان التي من الضروري حسم القرار بإجرائها أو عدمه قبل 17 آب الحالي، وهو الموعد الأخير الذي حدّده وزير الداخليّة والبلديات نهاد المشنوق لتوجيه الدعوة إلى الهيئات الناخبة. وبالنسبة إلى هذا الملف الأخير، تُوجد مساعٍ واضحة من قبل بعض الجهات السياسيّة لعدم إجراء هذه الإنتخابات الفرعيّة، في مُقابل إصرار جهات سياسية أخرى على تنظيمها. فما هي أسباب وحجج كلّ من الطرفين؟.
بحسب الدُستور، وتحديدًا المادة 41 منه(1)، كان من الضروري إجراء الإنتخابات الفرعيّة على المقاعد النيابية الشاغرة منذ أشهر طويلة(2). أمّا اليوم، وبعد التأخير الكبير في تنظيم الإنتخابات الفرعيّة، فإنّ إتخاذ القرار بإجرائها خلال جلسة مجلس الوزراء هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل على أبعد تقدير، يعني عمليًا إنتخاب نوّاب لستة أشهر فقط، لأنّ الإنتخابات لا يُمكن أن تُنظّم قبل نهاية أيلول أو حتى قبل تشرين الأوّل المُقبل، لمنح الوقت الكافي للإجراءات والمهل الدستورية المُتبعة في عمليّات الترشّح للإنتخابات عادة، علمًا أنّ موعد الإنتخابات النيابية الشاملة هو في أيّار 2018، ما لم يطرأ أي تأجيل جديد!.
بالنسبة إلى المقعد الشاغر في كسروان، فإنّ من بين المُتحمّسين للمعركة، المرشّح لهذا المقعد العميد المُتقاعد شامل روكز، بهدف إثبات قوّته الشعبيّة في المنطقة، حيث يطمح لرئاسة لائحة كاملة في معركة إنتخابات دائرة "كسروان-جبيل" العام المقبل. وفي السياق عينه، يأمل النائب السابق فريد الخازن من جهته أن تجري الإنتخابات الفرعيّة، لإثبات شعبيّته الكسروانيّة، حيث أنّه سيكون رابحًا إن فاز في المقعد النيابي، أو حتى في حال حقّق رقمًا مُرتفعًا من الداعمين من دون الفوز بالمقعد، لأنّ هذا الأمر سيجعله في موقع تفاوضي أقوى بالنسبة إلى الإنتخابات النيابية الشاملة في العام 2018. وفي حين ينطلق العميد روكز من صورة المغوار المقدام ومن الخط السياسي الذي ينتمي إليه لكسب دعم الناخبين، يُعوّل النائب السابق الخازن على خدماته في المنطقة على مدى عُقود، وعلى الكثير من العائلات الكسروانيّة التي ترغب بالحفاظ على إرثها المناطقي، وكذلك على دعم أحزاب "الكتائب" و"المردة" وغيرهما. في المُقابل، لا ترغب "القوات اللبنانيّة" بخوض المعركة الإنتخابيّة الفرعيّة في كسروان، لأنّها تعتبرها هدرًا للوقت والجهد والمال على مقعد واحد ولولاية نيابيّة لن تتجاوز ستة أشهر. هذا في الشكل، أمّا في المضمون لا تريد "القوات" الدُخول في معركة إنتخابيّة مع المُرشّح روكز من اليوم، لأنّها تعتبر هذا المقعد من حقّ من يراه العماد عون مناسبًا لخلافته، ما سيجعلها في موقف حرج إن طرحت مرشّحًا مُنافسًا، لكنّها في الوقت عينه لا تريد أن تبدو بموقع الخائفة من خوض المعركة ومن نتائجها. أكثر من ذلك، لا تريد "القوات" دعم المُرشّح الخازن بوجه العميد روكز لأنّها ستجعله في موقع تفاوضي أقوى عشيّة الإنتخابات المُقبلة في العام 2018، علمًا أنّها تُخطّط لتسجيل لائحة منافسة للائحة الخازن في المُستقبل. وتُدرك "القوات" أنّه في حال دعمها لمرشّح ثالث في ظلّ وجود مرشّحين آخرين كُثر على المقعد، فإنّ الأصوات ستنقسم، وسيفوز أيّ من المُرشّحين الذين يحظون بشعبيّة واسعة لشخصهم، مثل العميد روكز أو وزير الداخليّة السابق زياد بارود على سبيل المثال. وبالإنتقال إلى "التيّار الوطني الحُرّ"، وفي حين أنّ رئيس الجمهوريّة مع الإنتخابات الفرعيّة، إنطلاقًا من تمسّكه بضرورة تطبيق الدُستور ومواده، وعدم تسجيل أيّ شائبة دستوريّة في عهده، لا يبدو رئيس "التيّار" وزير الخارجيّة جبران باسيل مُتحمّسًا للإنتخابات الفرعيّة، لأنّه لا يريد للتيّار خسارة المعركة تحت أي ظرف تحضيرًا للإنتخابات العامة المُقبلة، ولا يُريد في الوقت عينه تكبير حجم أحد أهمّ مُنافسيه الشخصيّين على الزعامة "العَونيّة" في المُستقبل.
وبالنسبة إلى المقعدين الشاغرين في طرابلس، واللذين يصحّ فيهما القول إنّهما يُمثّلان "معركة سنّية" على مقعدين أرثوذكسي وعلوي، فإنّ المُتحمّسين للمعركة الفرعيّة بشأنهما، هم كل الأطراف الطرابلسيّة ما عدا "تيار المُستقبل"! فالأخير يعلم أنّ موعد المعركة الجدّية والشاملة لم يحن بعد، وبالتالي من غير الضروري برأيه بذل الجهود وتمويل معركة لا تُقدّم ولا تؤخّر في التوازنات السياسيّة العامة، خاصة وأنّه من الصعب حثّ الناخبين على التصويت في معركة فرعيّة محصورة بمرشّحين لا ينتمون إلى المذهب نفسه. وبالتأكيد لا يُريد "تيّار المُستقبل" أن تُفرض المعركة، بحيث يُصبح أمام خيارين أحلاهما مُرّ: إمّا الإنسحاب وإخلاء الساحة للخُصوم، وإمّا خوض معركة غير مَضمونة النتائج وقد تؤدّي إلى هزيمة مَعنوية بنتائج سلبيّة كبيرة على موقع "التيّار" في عاصمة الشمال. في المُقابل، يبدو مدير عام قوى الأمن الداخلي السابق، اللواء أشرف ريفي، في طليعة المُتحمّسين للمعركة الفرعيّة حيث يُعوّل على المُجتمع المدني وعلى الفئات الشعبيّة الناقمة على سياسة "المُستقبل" في السنوات الأخيرة، لإحداث مُفاجأة شبيهة بتلك التي حصلت في الإنتخابات البلديّة الأخيرة. كما أنّ قوى طرابلسيّة فاعلة أخرى، مثل رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، والنائب محمد الصفدي، والوزير السابق فيصل كرامي، وغيرهم من الشخصيّات، يسعون جميعًا لخوض المعركة الفرعيّة لإثبات حُضورهم الشعبي، ولحجز أكبر عدد مُمكن من المقاعد في الإنتخابات النيابيّة العامة المُقبلة، والتي ستجري وفق القانون النسبي وليس الأكثري، كما هي حال الإنتخابات الفرعيّة.
(1) إذا خلا مقعد في المجلس يجب الشروع في إنتخاب الخلف خلال شهرين، ولا تتجاوز نيابة العُضو الجديد أجل نيابة العُضو القديم الذي يحلّ محلّه. أمّا إذا خلا المقعد في المجلس قبل إنتهاء عهد نيابته بأقلّ من ستة أشهر فلا يُعمد إلى إنتخاب خلف.
(2) المقاعد الشاغرة هي: المقعد الماروني في كسروان والذي شغر بوصول النائب العماد ميشال عون إلى منصب رئاسة الجمهوريّة، والمقعد الأرثوذكسي في طرابلس الذي شغر بإستقالة النائب روبير فاضل، والمقعد العلوي في طرابلس أيضًا والذي شغر بوفاة النائب بدر ونّوس.