اختارت الولايات المتحدة الأميركية في أوج الحرب على سورية شخصية أميركية مثيرة للجدل عرفت بمواقفها المتطرفة والمؤيدة لـ«إسرائيل» وهي تعمل غالباً في دائرة واضحة الأهداف والاتجاهات بكل ما يتعلق بالشرق الاوسط، أكان في العراق ،و في سورية هو عضو مجلس الشيوخ الجمهوري، جون ماكين رئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس من أجل متابعة شؤون المعارضة السورية المسلحة التي سمّاها ثواراً، تسعى للديمقراطية في وقت تشكل ولا تزال فئة إرهابية متطرفة لجماعات نافذة شمال سورية. فالسيناتور الأميركي لم يتوانَ عن دعم داعش وما يعادلها في الحرب التي يهدف فيها لإسقاط النظام السوري او الرئيس بشار الأسد.
قبل استكمال الحديث عن سورية تجدر الإشارة الى ان ماكين وبعد فشله في تحقيق هدفه دعا الى بدء العمل على إسقاط النظام الإيراني على اساس انه هو بيت القصيد ورأس الحرب في الصراع مع «اسرائيل». وبالتالي إذا كانت سورية عصية عن السقوط بسبب التدخل الروسي، فإن الأمر في إيران قد لا يكون كذلك، خصوصاً أن مسالة ارتباط إيران بنظام إسلامي عقائدي تلعب دوراً لصالح إمكانية استغلال الغرب لها للضرب على وتر الحريات والديمقراطيات فكيف بالحال وأن المحاولات لم تتوقف آخرها الثورة الخضراء عام 2009 والتي أكدت طهران أنها كانت مؤامرة غربية مباشرة لخضّ استقرارها؟
ماكين الذي لا يتوانَى عن خدمة «اسرائيل» ليس بصدد التوقف عن إيجاد مخارج حتى نهاية الازمة من اجل النهوض بحلفائه على الأرض السورية ليس أقله على طاولة المفاوضات، لكنه يدرك تماماً ان هذا صعب.
غاب السيناتور ماكين قليلاً عن الساحة السورية لأساب صحية، هو الذي يصفه حلفاؤه الخليجيون بـ«المحارب» تلقى منهم زخات الدعم المعنوي بمواقف مباشرة من أمراء ووزراء خارجية تضامناً معه بسبب تشخيص إصابته بسرطان الدماغ. وفي معلومات سابقة نشرت عن وضعه الصحي أجرى ماكين عملية جراحية بسبب إصابته بجلطة في العين اليسرى.
يتعافى ماكين الآن في منزله في ولاية أريزونا، حسبما قالت شبكة «سي ان ان»، وقال أطباؤه إنه يدرس مع عائلته خيارات العلاج التي يُحتمل أن تشمل العلاج الإشعاعي والكيماوي. هذا الكيماوي نفسه الذي احتار فيه ماكين وقطع البحار قادماً من بلاده الى سورية من أجل مساعدة المعارضة على كيفية استخدامه بما يمكنه تجييره كنقطة تحاصر الأسد ومصير بلاده، فكانت محاولات متعددة لتعليم وتلقين «الثوار» مهارات التمثيل واستخدام الأطفال من أجل تحقيق الغاية المرجوة. كل هذا لم يمنع ماكين ان يلاحظ المتغيرات الكبيرة والكثيرة بالساحة السورية حتى أن السفير روبرت فورد الذي كان كثير التواصل معه في بداية الحرب اعترف بتراجع المشروع الأميركي من دون ارتداء قفازات تنقذ المعارضين الذين خيّبوا آمال فورد مراراً.
يبدو السيناتور الأميركي جون ماكين أكثر المتضررين من هذا الفشل الذي يحمل بطياته فشلاً سياسياً ذريعاً لما أخذه على عاتقه بتضييق الخناق على الأسد واعتباره خياراً محسوماً يشبه خيار التخلّص من الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي كان يملك ترسانة سلاح لم تعرها الخطة الأميركية اهتماماً، وبالتالي فإن الحساب الأميركي باستنزاف الأسد والعتاد العسكري بالحرب كان جزءاً من الآمال المعقودة، واذا بالدور الروسي يفاجئ الأميركيين وأولهم ماكين الذي بدأ بمهاجمة روسيا وبوتين بعد تعافيه التدريجي ويبدو أن ذلك هو بسبب ما أيقنه من توجه الرئيس دونالد ترامب نحو التعاون مع روسيا في سورية والمنطقة كخيار لا مفر منه . وهو الأمر الذي أشعره بالاستسلام لروسيا.
يقول ماكين لصحيفة « Arizona Republic» الأميركية، إنّ «روسيا تريد وتستطيع دعم رغبتها في أن تكون حاكماً للعالم وتسيطر عليه». في وقت كان ماكين قد شبّه روسيا بالإرهابيين، زاعماً أنّ موسكو حاولت القضاء على الديمقراطية في الولايات المتحدة الأميركية.
يضرب ماكين على الوتر الحساس مستخدماً أعلى ما يمكنه خضّ مساعي الرئيس الأميركي ترامب المستقبلية في الملف السوري رافعاً السقف لحدود اعتبار أن التعاون مع روسيا هو ضرب للمهابة الأميركية ولصورة الديمقراطية فيها التي تتغنى بتصديرها الى العالم، خصوصاً معتبراً بهذا الكلام أن روسيا ساهمت بانتخاب الرئيس ترامب. وهو بالمناسبة مرشح الجمهوريين أي الحزب نفسه الذي ينتمي اليه ماكين ما يشير الى ان الانقسام لا يزال كبيراً على ترامب حتى داخل حزبه.
فزاعة العلاقة مع روسيا يضعها ماكين في يد المعنيين الأميركيين بهذا الملف، لكنه بطريقة أو بأخرى يتهرب من فشل خططه في سورية أمام من أعطاهم اعتماداً مباشراً بنجاح خطته في «اسرائيل» تمهيداً للتخلص من أكثر العناصر التي تهدّد أمنها كحزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية بالتتابع.
ماكين الذي رحّب بالحرب على لبنان في تموز 2006 وحاضر فيها والتي فشلت بدورها، منزعج من فشله وفريقه في سورية، فوجد أن أفضل تبرير لهذا السقوط استهداف موسكو والتحذير من العلاقة معها، خصوصاً أن غضبه اليوم جاء مفهوما بعد قرار السلطات الروسية تقليص عدد الدبلوماسيين الأميركيين في روسيا، قائلاً «ليس من المستغرب أنّ يطرد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الدبلوماسيين الأميركيين، ولكنّه وحلفاءه سيدفعون ثمن الهجوم على ديمقراطيّتنا».
ماكين يهاجم روسيا وكل مَنْ يتعاطى معها تغطية للفشل الذريع..