لم يمرّ شهران على ما وُصِف بـ"عرس" إقرار قانون الانتخاب، حتى بدأ الأخير "يترنّح" بشكلٍ أو بآخر، فصُنّاعه بدأوا يتلون "فعل الندامة" على ما اقترفت أيديهم، بعدما لمسوا لمس اليد كيف خلط هذا القانون "العصيّ على الفهم" حابل تحالفاتهم بنابلها، وهيئة الاشراف على الانتخابات لم تشكَّل بعد، ويُقال أنّ عوائق عديدة، ليس اعتكاف القضاة سوى أحدها، لا تزال تحول دون إبصارها النور.
وسط ذلك، برزت إلى واجهة الضوء لجنة وزارية جديدة، شكّلها مجلس الوزراء في جلسته ما قبل الأخيرة، وبدأت اجتماعاتها خلال اليومين الماضيين، وهي لجنة "كُلّفت" بدراسة تطبيق قانون الانتخاب، ما طرح أكثر من علامة استفهام حول دورها وصلاحيّاتها، وفتح الباب أمام مخاوف أكثر من "مشروعة" بتمهيدها لـ"تعديلاتٍ" على القانون.
أكثر من ذلك، وانطلاقاً من مقولة أنّ "اللجان مقبرة المشاريع"، هل من يضمن ألاّ تكون هذه اللجنة "مقبرة" قانون الانتخاب؟!
إشكاليّات تقنيّة...
بعد الاجتماع الأول للجنة الوزارية المكلّفة دراسة تطبيق قانون الانتخاب الذي عقد يوم الثلاثاء في السراي الحكومي، برئاسة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، خرج وزير الداخلية نهاد المشنوق ليقول أنّ البحث تناول خلال الاجتماع الجوانب التقنية لقانون الانتخاب، على أن تكون هناك اجتماعات لاحقة لهذه الغاية، ويعرض بعد ذلك الموضوع على طاولة مجلس الوزراء.
لا شكّ أنّ الوزير المشنوق أراد، من خلال هذا التوضيح، أن يبدّد هواجس البعض، ويقول أنّ عمل اللجنة الوزارية محصورٌ، على الأقلّ حتى إشعارٍ آخر، بالجوانب التقنية في قانون الانتخاب لا أكثر ولا أقلّ، خصوصًا أنّ أحدًا لا يستطيع أن ينكر أنّ القانون الذي صيغ ونُقّح على عجل، بفعل "ضيق الوقت"، ينطوي على العديد من الثغرات والإشكاليّات، التي يتوجّب معالجتها قبل إجراء الانتخابات بموجبه، منعًا لأيّ اجتهاداتٍ دستوريّة من هنا أو هنالك قد يسهل الطعن بها.
ومن التناقضات الجليّة والواضحة في القانون مثلاً مقاربة مسألة استخدام المغلف في الاقتراع، إذ ينصّ القانون، في المادة 92 عنه، على أن "يزوّد رئيس القلم الناخب بورقة الاقتراع(...) وبظرف ممهور بالخاتم الرسمي بعد توقيعه عليه ويطلب اليه التوجه الزامياً الى وراء المعزل لممارسة حقه الانتخابي بحرية، وذلك تحت طائلة منعه من الاقتراع". ولكن، وبعد أن يعود من المعزل، ووفق المادة نفسها، "يتقدم الناخب من هيئة القلم ويبيّن لرئيسها انه لا يحمل سوى ورقة اقتراع واحدة مختومة مطوية"، ما يعني أنّ المغلف الذي زوّده به رئيس القلم ذهب أدراج الرياح.
وإلى جانب هذه النقطة، إشكاليّات بالجملة أثارها الخبراء الانتخابيّون منذ إقرار القانون، ومنها المسائل المرتبطة بالانفاق الانتخابي والفرز والعدّ في لجان القيد وغير ذلك، ولكن، وأبعد منها، هناك بعض النقاط التي تُرِكت "غامضة" في القانون عن سابق تصوّر وتصميم، ولا سيما ما يتعلق بالبطاقة الالكترونية الممغنطة، التي أبقاها القانون ملتبسة، علمًا أنّ وزير الداخلية لا يبدي أيّ حماسةً لها، مستنداً إلى تجارب دوليّة غير مشجّعة في هذا المجال. وربطاً بهذه النقطة، تُثار مسألة الاقتراع مكان السكن، التي يمكن إدخالها ضمن القانون، في حال توافرت النيّة لذلك، من دون الحاجة للبطاقة الممغنطة، وذلك من خلال تعيين مركز اقتراع مركزي أو أكثر في كلّ محافظة يحتوي على أقلام جميع الدوائر الانتخابية، على أن يتمّ تحديد آلية تسجيل مسبقة للراغبين بالاقتراع مكان السكن.
طموحات بالجملة
عمومًا، فإنّ هذه الإشكاليّات التقنيّة، التي يطرحها الخبراء والمعنيّون الانتخابيّون منذ إقرار قانون الانتخاب، كانت تلقى القبول من حيث المبدأ من وزير الداخلية، كما يُنقَل عنه، إلا أنّه كان يبدي تخوّفه من فتح المجال أمام تعديل القانون، خصوصًا بعدما جاهر بعض الأفرقاء برغبتهم بتعديل العديد من مواد قانون الانتخاب، ما يطرح السؤال عمّا إذا كان الخوف قد تبدّد اليوم، أم أنّ عمل اللجنة لن يصل لحدّ تعديل القانون.
في مطلق الأحوال، لا شكّ أنّ هذه الخشية، إن وُجِدت لدى الوزير أو غيره، هي في محلّها، لأنّ القانون الذي احتاج سنواتٍ طويلةٍ للإقرار، قد لا يحتاج سوى لأيام أو ربما لساعات للإطاحة به من خلال تعديلاتٍ دستوريّة، قد تكون شكليّة في بادئ الأمر، لتصل إلى العمق والجوهر في النهاية. وفي هذا السياق، يخشى الكثيرون من أن يكون مجرّد إقرار تعديلات بسيطة أو طفيفة على قانون الانتخاب ذريعة لفتح الباب واسعاً أمام تعديلات ممّا لذّ وطاب خصوصًا أنّ العديد من الأفرقاء أبدوا عدم رضاهم على القانون الذي وافقوا عليه "على مضض".
ولعلّ تغيّر الكثير من المعادلات اليوم، خصوصًا بعد معركة جرود عرسال الأخيرة، يزيد من توجّس البعض من توظيف ما تحقّق لتحصيل المزيد من "المكاسب الانتخابية" من خلال القانون. وفي هذا السياق، بدأ البعض يلمّح إلى أن "حزب الله" يريد ترجمة "الانتصار" الذي حقّقه في المعركة العسكرية من خلال تعديل قانون الانتخابات بما يلبّي طموحاته وطموحات حلفائه، خصوصًا أنّه لم يكن راضيًا عمليًا، ولو روّج خلاف ذلك، عن الكثير من مضامين القانون، ولكنّه وافق عليها تحت الضغط وخشية الدخول في الفراغ الذي كان يمكن أن يؤدي إلى المجهول، وتجنّبًا لخوض معارك لم يكن الزمان مناسبًا لها، بخلاف الواقع اليوم.
ومن الاقتراحات التي يُقال أنّها يمكن أن توضَع في صلب البحث إعادة العمل بصوتين تفضيليين بدل الصوت التفضيلي الواحد، كما كان ينصّ أصلاً مشروع الوزير السابق مروان شربل، على أن تعتمد الأصوات التفضيلية في الدائرة وليس في القضاء، بما يساعد أكثر على توزيع الأصوات على الحلفاء، علمًا أنّ "التيار الوطني الحر" لا يقف على طرف نقيض مع "حزب الله" في الرغبة بتعديل القانون، ولو اختلف معه في بعض التفاصيل، خصوصًا بعدما ثبت له أنّه قد يكون "الخاسر الأكبر" منه، ولعلّ أولى الخسائر تمثّلت بفرط تفاهمه مع "القوات اللبنانية"، ولو أبى الطرفان الاقرار بذلك في الوقت الراهن.
شهيّة مفرطة...
لا شكّ أنّ مجرّد تصحيح خطأ لغويّ لا أكثر في قانون الانتخاب سيفتح "شهيّة" الكثيرين "المفرطة" لتعديل القانون، في الشكل وفي الجوهر، خصوصًا بعدما بدأ هؤلاء يشعرون بـ"السخونة" التي أحدثها القانون العتيد على صعيد التحالفات، وإن كان قد "طُبِخ" بشكلٍ لا يغيّر التركيبة السياسية القائمة، في شكلها العريض.
وإذا كان "بازار" التعديلات سيُفتَح من خلال لجنةٍ وزاريةٍ أو من دونها، بعيدًا عن الحكم على النوايا، فإنّه لن يكون معزولاً بطبيعة الحال عن وجود رغبةٍ مبطنة ونيّة مبيّتة لدى العديد من الأفرقاء بتمديد التمديد وإرجاء الانتخابات للمرّة الرابعة، والحجج "التقنية" تبقى أفضل من غيرها في سبيل ذلك!