أكد المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، في حديث لمجلة "الامن العام"، ان "ما حققه الامن الاستباقي كان ثمرة حسن استخدام الصلاحيات ومضمون بنك المعلومات عدا عن التعاون مع الأجهزة الدولية الصديقة التي وجدت نفسها مضطرة لدعم لبنان باعتباره خط الدفاع الاول عنها في المواجهة مع الارهاب"، لافتاً إلى أن "لبنان لم يتعاطَ يوما مع النازحين السوريين كارهابيين، وان عودتهم الى بلادهم توفر الكثير من المخاطر السلبية"، ومشددا على اهمية الحوار مع السلطات السورية.
ولم يستبعد اللواء ابراهيم احتمال استمرار وجود شبكات تخريبية في لبنان، لافتا الى ان "قدراتها شبه معطلة، وان لبنان لم يسقط المفاجآت الامنية رغم اثبات الشعب اللبناني انه لن يكون بيئة حاضنة للارهاب".
وأوضح أن "الانجازات الادارية للمديرية ليست شخصية او فردية، انما هي نتاج عمل فريق. كل ملف له لجنة متخصصة تهتم به من الالف الى الياء. تتسلم المهمة منذ لحظة التكليف الى حين انجازها. يتولى رئيس كل لجنة من الضباط اطلاعي على ما ينجز يوميا لينطلق في عمله بالتوجيهات الضرورية. وقد ثبت بالفعل ان تقسيم العمل بهذه الطريقة التخصصية وعدم حصره بشخص، ايا تكن قدراته، ادى الى هذه النتائج الباهرة في وقت قياسي. بهذه الطريقة انجزنا اعمالا كثيرة رغم كل الانشغالات"، لافتاً إلى أنه "من الطبيعي ان نضع مع بداية كل سنة برنامج عمل وفق اولويات نحددها، ونسعى الى تحقيقها. ان لم يتم تحقيق ذلك كاملا، فمعظمه وفق الاولويات المحددة سلفا، وقد تمكنا في بعض السنوات من انجاز 90% مما تقرر".
وأشار إلى أنه "عندما تسلمت مهماتي في المديرية العامة للامن العام سنة 2011 قمت بجولة على كل المكاتب والدوائر والمراكز، واطلعت عن كثب على طريقة عملها. لفتني يومها مركز التوقيف الموقت تحت جسر العدلية. للحقيقة شاهدت بأم العين الظروف السيئة المحيطة بحياة المساجين، وقررت يومها ان اقوم بعمل ما ينهي هذه الحال. بطبعي عندما اريد ان اقوم بأي عمل اسعى الى ان اكون انا المستهدف فيه. قلت يومها اذا جاء يوم وحكم علي ان اكون في هذا السجن، فهل اقبل او ارضى بان اكون فيه؟ هل اقبل العيش في مثل هذه الظروف؟ كان جوابي الطبيعي يومها بالنفي والرفض معا. اطلقت عليه يومها اسم "سجن العار"، وقررت فورا ان اقوم بما يلزم وبكل جد واخلاص لتغيير هذا الواقع والتخلص منه. فعلا، كنت اشعر بالخجل كلما طلب مني اذن بزيارة يقوم بها ممثلون عن المنظمات الدولية والانسانية الى هذا المركز، او تحديد موعد للقائهم مع ضباطه. لا اخفي ان مشكلة مالية واجهتنا في مرحلة من المراحل قبل تنفيذ المشروع. لجأت الى بعض الاصدقاء طالبا الدعم من موقعي الشخصي لا المهني، فجاءني الجواب ايجابا. عرضت المشروع على بعض المنظمات والسفارات فلم يتأخر عدد منها في تقديم الدعم المالي والتقني وتوفير التجهيزات الضرورية. تزامنا مع انطلاق الورشة والحاجة الى المزيد من المال كنت الجأ الى معالي وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي كان قد انشأ صندوقا في الوزارة لترميم اوضاع السجون الموضوعة في عهدتها وتحسينها وبناء اخرى على مستوى لبنان. لم يتردد معاليه في تقديم الدعم كلما طلبنا ذلك، وهو ما سمح باتمام المشروع وتجهيزه بافضل المعدات".
وأوضح أنه "بالتأكيد مشكلة الاكتظاظ موجودة ونعاني منها كثيرا. نحن جهاز لا يوقف كل المساجين بل المخالفين الاجانب الذين يحالون الينا. على عاتقنا تقع مسؤولية تسلم من دخلوا البلاد خلسة او خالفوا نظام الاقامة من مختلف القوى العسكرية والامنية من جيش وقوى امن داخلي وامن دولة. عليه اضطررنا اكثر من مرة الى ابقائهم في سجونهم ومراكز التوقيف لديهم الى حين تأمين المكان لاستقبالهم وتسوية اوضاعهم الادارية والقانونية. لا اخفيكم اننا نشهد في بعض الاحيان تدفقا يفوق قدراتنا وقدراتهم، فسجونهم ومراكز التوقيف لديهم تعيش المعاناة نفسها. مشكلة الاكتظاظ ضاغطة علينا جميعا، ما يقود الى التنسيق في ما بيننا لئلا تطول معاناة الموقوفين، وتوصلنا الى وضع جداول يومية لتقاسم هذه المهمة بشكل يمنع حالات الاكتظاظ لوقت طويل"، مضيفاً "عندما افتتحنا مركز التوقيف الموقت في ساحة العبد في حضور وزير الداخلية وجهت الدعوات الى ممثلي الجهات المانحة والمنظمات المحلية والاقليمية والدولية المقيمين في لبنان بالاضافة الى النواب اعضاء لجنة حقوق الانسان، ليشهدوا على هذا الانجاز الانساني والتثبت مما يوفره من شروط دولية معترف بها. كانت ردود فعلهم ايجابية للغاية. اخيرا زارني رئيس مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان في الشرق الاوسط وشمال افريقيا التابع لمنظمة الامم المتحدة عبد السلام سيد احمد لنتبادل التهاني في ما انجزناه سويا على مستوى وضع مدونة السلوك الخاصة بعسكريي الامن العام وادارييه، وتعزيز حالة حقوق الانسان في الامن العام، بعدما اعتمدت في شكلها ومضمونها في معظم بلدان الشرق الاوسط، وعدّت انجازا رائدا تخطى الحدود اللبنانية الى دول المنطقة. لما سألني عن مركز الاحتجاز الموقت لم اتردد في دعوته الى زيارته حيث اطلع على ظروف التوقيف، فاستحققنا بذلك التهنئة مرة اخرى. لذلك يمكنني القول ان ما كنا نخجل به على هذا المستوى بات موضوع فخر لنا وللوطن. وبعدما كنا نخجل بالمركز القديم بتنا نتباهى بالجديد بعدما ابعدنا عنه وصمة العار التي كانت تلاحقنا".
وعن النزوح السوري، أوضح أنه "لا يمكننا ان نخفي ما عكسه النزوح السوري من ضغوط هائلة على مراكز الامن العام في اكثر من منطقة. اكثريتهم رغبوا في ترتيب اقامتهم والحفاظ على قانونية وجودهم في لبنان. وهو امر تسبب في عدم قدرة باقي اللبنانيين والاجانب والسياح المقيمين في لبنان على اتمام معاملاتهم بالسرعة المطلوبة. لمواجهة هذا الوضع بدأنا تخصيص مراكز للنازحين السوريين سعيا الى توسيع نطاق خدماتنا. بالتعاون مع المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في الامم المتحدة انشأنا اربعة مراكز من عشرة مخصصة لاستقبال معاملات السوريين، نخطط لاقامتها لتبقى مراكزنا العادية قادرة على تقديم الخدمات للاخرين".
- وبما يخص دور المرأة في الأمن العام، أوضح أنه "في المبدأ، عند الاعلان عن اي دورة للامن العام، لا نخصص او نفصل بين الذكور والاناث، فهم وهن مواطنون ومواطنات، لهم ولهن الحقوق نفسها وعليهم وعليهن الواجبات نفسها. لكن ما هو طبيعي ان تكون المرأة غير قادرة على القيام او المشاركة في دورات امنية متقدمة في مهمات محددة كتلك التي نقيمها للوحدات الخاصة. اذا تمكنت من ذلك بقدراتها الجسدية لا نحرمها من هذا الحق. لذلك تبدو المشاركة النسائية في بعض مكاتب الامن العام الادارية حاضرة بقوة، فنحن ندرك ان ما لديها من مرونة يسهل لها القيام بادوار اخرى تتفوق فيها على الرجل".
وكشف أنه "لدينا في الامن العام بنك معلومات عمره 72 سنة يمكن استغلاله في اي وقت على المستوى الامني. بالمزاوجة بين ما سمح لنا به الكتاب والقانون من صلاحيات، ومضمون ما نمتلكه من معلومات، وصلنا الى الامن الاستباقي. بموجب صلاحياتنا، نستطيع ان نتعاون مع مؤسسات كثيرة بحكم القانون من اجل مصلحة لبنان، وعلى كل مواطن ان يعمل الى جانب دولته من اجل الوطن وحمايته. اما في شأن التنسيق بين الاجهزة، استطيع القول انه اكثر من ممتاز في المرحلة الحالية. كقادة اجهزة نحن على تواصل يومي ان لم يكن وجاهيا، فعبر الهاتف او اي وسيلة اخرى تقتضيها ظروف العمل. طالما ان لكل جهاز خصوصيته، فالتنسيق في ما بيننا لا يعني ذوبان جهاز في آخر. لذلك نشجع الضباط والعسكريين من مختلف الرتب على التسابق مع الاجهزة الاخرى لتحقيق انجازات وتحقيق نجاحات".
وتابع قائلا "من المؤكد اننا لم نسقط المفاجاءآت يوما من قاموسنا. لكن ما يطمئننا ان الشعب اللبناني لم يكن ولن يكون بيئة حاضنة للارهاب. اذا اردنا الحديث عن معادلة طائفية فالبيئة المسلمة كما البيئة المسيحية لم تكن حاضنة يوما للارهابيين ولن تكون. انا على يقين من ان تكوين الانسان اللبناني يختلف عن تكوين اي انسان اخر في المنطقة. كنت دائما اقول وما زلت ان في داخل كل مسلم لبناني ثقافة مسيحية، وفي داخل كل مسيحي لبناني ثقافة اسلامية، وهذا التزاوج بين الاديان والثقافات جعل من اللبناني نموذجا فريدا جعله يجنح اكثر فأكثر نحو الاعتدال، وهو ما يبعد مجتمعنا عن الارهاب. لكن ذلك لا ينفي وجود اشخاص يمكن ان يشكلوا حالات ارهاب فردية، وهو امر يمكن ان يشهده اي بلد في اوروبا مثلا او في اي بلد في العالم. فهل تتوقع مثلا ان تتلقى من عائلة لبنانية اخطارا بأن ابنها يمكن ان يتحول الى مصدر شبهة، فيطلبون الينا التدخل والتثبت من ذلك؟ أليست هذه الظاهرة من العلامات المطمئنة الضامنة لتثبيت الامن وتعزيز الاستقرار؟ لذلك علينا هنا ان نحتسب حجم الثقة بنا لنصل الى مثل هذه المرحلة التي يتحول فيها المواطن خفيرا في خدمة الامن"، لافتاً إلى "اننا لا نحكم على النازحين السوريين على انهم ارهابيون لا سمح الله. النازح هو نازح، لكن الظروف المعيشية والثقافية عدا عن خلفيات واسباب نزوح البعض منهم الى لبنان قد تحولهم الى ارهابيين وان من طريق الخطأ. التلاعب احيانا بعواطفهم وافكارهم يجعلهم ارهابيين. نحن لا نسقط من حساباتنا ان ظروف معيشة الانسان تحدد مساره في هذه الحياة بالاضافة الى ما يختزنه من ثقافة. لذلك لا نتجاهل ولا ننسى تحوّل بعض السوريين او الفلسطينيين الى ارهابيين، او ان تكون الشبكات الارهابية فلسطينية او سورية او من جنسيات اخرى. بعض اللبنانيين الذين تم توقيفهم ويا للاسف كانوا شركاء او رؤساء لبعض هذه الشبكات".
وأكد ان "عودة اللاجئين الى بلادهم في اسرع وقت ممكن سيوفر الكثير من هذه المظاهر السلبية ويخفف من مخاطر كثيرة. لا ننسى ان الفقر وسوء الخدمات يقودان الانسان الى التطرف والارهاب، وهما من اهم العوامل المشجعة على هذا التوجه السلبي. لاعطيكم مثلا على ذلك، اذا ذهبت الى مخيم عين الحلوة واطلعت على معاناة بعض الفلسطينيين لن تستغرب تحول البعض من سكانه الى ارهابيين. ظروف حياة البعض تدفعهم دفعا الى اليأس الذي يقود الى اماكن من المستحيل ان يصل اليها انسان عاقل. لذلك الفت الى ان النزوح، كما شهدنا انعكاساته، له اكثر من مردود سلبي امني وصولا الى المردودين الاقتصادي والاجتماعي اللذين باتا يهددان العلاقة بين الشعبين اللبناني والسوري. الم نسمع فخامة الرئيس ميشال عون يحذر قبل فترة من كل ما يؤدي الى الحقد والكراهية بين النازحين واللبنانيين".
ورداً على سؤال حول عين الحلوة، أوضح أنه "بداية علينا عدم تجاهل حجم التعقيدات الفلسطينية الداخلية التي تترجم في عين الحلوة. لذلك فإن كيفية استثمارها لتكون في مصلحة الامنين اللبناني والفلسطيني في ذاته. حرصنا على امن اللبناني يوازي حرصنا على الامن الفلسطيني. وهو امر يدفعنا الى البحث عن صيغة تمنع تحويل المخيم الى بؤرة ارهابية تنعكس ظلما في حق الشعب الفلسطيني والامن اللبناني ايضا، كما بالنسبة الى منع تحوله مخيم نهر بارد آخر، وهو ما يدفعنا الى التعامل مع هذا الملف بهدوء وحذر منعا لتشريد مئة الف داخل المجتمع اللبناني"، مؤكداً أن "الامن العام بما يملك من صلاحيات ومعلومات تتصل بملف النزوح، لا بد من ان يكون له الدور الاكبر في عودتهم الى سوريا. انه امر طبيعي للغاية ونحن نتابع قضاياهم على كل المستويات. النازح في عهدتنا منذ لحظة دخوله الى لبنان، ونحن من يتابع تفاصيل اقامته ووضعه السكني. كل هذه المعلومات هي في عهدتنا".
وكشف أنه "وفق معلوماتنا لدينا حوالى مليون ونصف مليون سوري. منهم مليون ومئة الف مسجلون لدى مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين. بالاضافة الى هؤلاء هناك من لا تنطبق عليهم صفة النزوح التي تحددها معايير الامم المتحدة ما يرفع العدد الى مليون ونصف مليون بين مقيم ونازح. اضف اليهم ما يقارب مئة الف دخلوا لبنان خلسة. لمعالجة هذا الوضع ندعو الرعايا السوريين بين فترة واخرى الى مراجعة مراكز الامن العام لتسوية اوضاعهم من ضمن فترة سماح لنحد من عدد المقيمين خلسة والمخالفين نظام الاقامة"، لافتاً إلى أنه "عدد الفلسطينيين المسجلين لدينا يقارب 425 الفا، وفيما نعتقد ان بعضهم ترك لبنان، اللافت ان لدى وكالة غوث اللاجئين احصاء يتحدث عن 425 الفا ايضا"، مضيفاً "ليس سرا القول انني على تواصل مع السلطات السورية على المستوى الامني وهو امرمعلن، وان زياراتي الى سوريا قائمة، والتنسيق مع السلطات السورية يتم تداوله في وسائل الاعلام. وطبعا، ان اي حوار مجد. اغلاق باب التواصل والحوار لا يؤديان الى حل اي ملف ولن نصل من دونهما الى اي نتيجة. الظروف السياسية هي التي تسمح او لا تسمح بذلك، وهو امر اتركه للسلطة السياسية. هي التي تقدر وليس انا. لكنني اقول ان الحوار هو الطريق الوحيد والاقصر الى حل كل المشاكل الامنية".