رفع السياسيون والمجتمع المدني والمواطنون من مستوى اهتمامهم بمتابعة التفاصيل المتعلّقة بقانون الانتخابات النيابية، الذي أقرّه المجلس النيابي، على أنْ تُجرى خلال شهر أيار 2018..
القانون قسّم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية، غير منسجمة لا توزيعاً عددياً للنوّاب الـ128، ولا لأعداد الناخبين، فضلاً عن عدم معرفة النوّاب الحاليين أو المرشّحين بالناخبين في مناطق ضُمّت إلى دوائرهم خلافاً لما جرى في دورة العام 2009، التي اعتُمِدَ فيها قانون الستين - أي القضاء - دائرة انتخابية واحدة، على الرغم من الاستثناءات..
والمعضلة الأهم، هي حاجة الناخب لمعرفة كيفية الاقتراع، وأهمية صوته التفضيلي داخل القضاء، ما يضيّق هامش خياراته، لكن يمكن أنْ يُوصل مَنْ يمثّله حقيقه ويجعل صوته ذا قيمة..
وهنا يبرز دور اللوائح المشتركة، سواء أكانت البطاقة ممغنطة أم لا، فالمهم لدى الناخب أنّه يعبّر عن رأيه في صندوق الاقتراع، بعد ولاية 9 سنوات لمجلس الـ2009، حيث يشارك عدد كبير من الناخبين للمرّة الأولى، بعدما أتمّوا عامهم الـ21..
وقد اعتُمِدَتْ مدينة صيدا مع قضاء جزّين بدائرة واحدة، فكيف هي صورة الواقع الانتخابي في هذه الدائرة؟
*****
تتمثّل دائرة صيدا - جزين بـ5 نوّاب (سنيان ومارونيان وكاثوليكي واحد) ويبلغ عدد الناخبين (118959) طبقاً للوائح الشطب في الانتخابات البلدية والاختيارية التي جرت بتاريخ 22 أيّار 2016، يتوزّعون وفق الآتي:
- مدينة صيدا: (60610 ناخبين) بينهم حوالى (5500) شيعي و(3800) مسيحي ماروني وكاثوليكي وأرثوذكسي وأقليات، وتتمثّل بنائبين سنيين، هما: الرئيس فؤاد السنيورة وبهية
الحريري (العضوان في "كتلة المستقبل النيابية").
- قضاء جزين: (58349 ناخباً) بينهم (12000) شيعي و(1000) سني و(363) درزياً، وتتمثّل بثلاثة نوّاب: مارونيان، هما: زياد الأسود وأمل أبو زيد، الذي فاز بالانتخابات الفرعية (22 أيار 2016)، بعد شغور المقعد بوفاة النائب ميشال الحلو (27 حزيران 2014)، وكاثوليكي هو عصام صوايا (النوّاب الثلاثة أعضاء في "تكتل التغيير والإصلاح النيابي").
في ضوء القانون وضرورة أنْ تتمثّل اللائحة بممثّلين عن مدينة صيدا وقضاء جزّين، أصبحت التحالفات ضرورية مع حصرية الاقتراع للائحة دون تشطيب، واختيار تفضيلي لمرشّح.
فكيف تبدو احتمالات الترشّح مع توقّع وجود أكثر من لائحتين؟
القوى المؤثّرة في صيدا
القوى المؤثِّرة في مدينة صيدا، تتوزّع وفق الآتي:
- "تيار المستقبل": يمثّله النائبان السنيورة والحريري، ولديه مروحة واسعة من التحالف مع جميع القوى في الدائرة، صيداوياً مع "الجماعة الإسلامية" ومستقلين، وفي جزّين مع "التيار الوطني الحر"، "القوّات اللبنانية"، إبراهيم عازار ومستقلين مسيحيين، فضلاً عن الرئيس نبيه برّي، وتأثير "الكتلة الشيعية" في صيدا وجزين.
تنطلق التحالفات من صيغة ما ينسجه "تيار المستقبل" مركزياً ومَنْ سيرشّح في الانتخابات المقبلة.
فقد حسم "تيار المستقبل" ترشيح النائب الحريري، لولاية سادسة، وهي طليعة نوّاب المستقبل منذ العام 1992.
وأعلن الرئيس السنيورة عن أنّه "لا يزال الوقت باكراً، قبل أنْ يترشّح الواحد، وهناك وقت لنفكر بهذا الموضوع".
- أمين عام "التنظيم الشعبي الناصري" الدكتور أسامة سعد: لديه إمكانية واسعة للتحالف مع غالبية القوى في قضاء جزّين، باستثناء "القوات اللبنانية"، حيث سيُعيد ترشيح نفسه، والعين على ولاية ثالثة، بعدما انتخب ليكمل ولاية شقيقه النائب الراحل مصطفى سعد (من آب 2002 إلى 2005) ثم في ولاية 2005.
- رئيس بلدية صيدا السابق الدكتور عبد الرحمن البزري: متوافرة له إمكانيات التحالف مع
الأطراف جميعاً، وسيرشّح نفسه بعدما لم يتمكّن من ذلك في دورة العام 2009، حيث حال قانون الانتخابات دون ترشّح رؤساء البلديات الكبرى، وهو ما اعتبره صدر متعمّداً إيّاه.
- "الجماعة الإسلامية": باستطاعتها التحالف مع أكثر من فريق، وبانتظار بلورة العلاقة التحالفية مع "حزب الله" (ومعرفة قرار "الجماعة") مركزياً بشأن الترشيحات، وإمكانية ترشيح نائب رئيس المكتب السياسي الدكتور بسّام حمود.
- الدكتور علي الشيخ عمار: ترأس في الانتخابات البلدية الماضية لائحة "أحرار صيدا"، وحازت أصوات عدد من الإسلاميين، وفي طليعتهم الذين يتأثّرون بإمام "مسجد بلال بن رباح" في عبرا سابقاً الموقوف الشيخ أحمد الأسير الحسيني.
قراءة للانتخابات النيابية
وفي قراءة لنتائج الانتخابات النيابية السابقة قياساً إلى القانون الجديد، فإنّ عدد الناخبين بلغ في العام 2009 (53859) اقترع منهم (36800) - أي ما نسبته 68.33%، لتكون الأعلى منذ انتخابات العام 1992.
فاز بالمقعدين: النائب الحريري ونالت (25460 صوتاً) - أي ما نسبته 69.19%، والرئيس السنيورة ونال (23041 صوتاً) - أي ما نسبته 62.62%، ، فيما لم يحالف الحظ المرشّح سعد، الذي نال (13512 صوتاً) - أي ما نسبته 36.72%، - أي بفارق (9529 صوتاً).
ولم يترشّح البزري، الذي كان يتولّى رئاسة بلدية صيدا، فيما سحبت "الجماعة الإسلامية" مرشّحها - آنذاك - الدكتور الشيخ عمّار لصالح مرشّحي "المستقبل".
اقترع من الطائفة السنية (32550) من أصل (45135) - أي ما نسبته 72.12%، وهي الأعلى بين السُنّة في كل دوائر لبنان، ونالت النائب الحريري 74.6% والرئيس السنيورة 69.1%، وسعد 29.5%.
أما الاقتراع الشيعي فقد بلغ (3284) من أصل (4989) - أي ما نسبته 65.82%، وهي النسبة الأعلى لتصويت الشيعة في الجنوب، ونال منها سعد 72.7% والنائب الحريري 33.8% والرئيس السنيورة 27.1%.
وبلغت أصوات الناخبين المسيحيين (3702) اقترع منهم (952) - أي ما نسبته 25.72%، وتوزّعت نسب الأصوات بشكل متقارب بين المرشّحين.
...والبلدية
في الانتخابات البلدية التي جرت في العام 2016، اقترع (27018) من أصل (60610) - أي ما نسبته 44.58%، بتراجع عمّا كانت نسبته في دورة العام 2010 التي بلغت 56.22%.
وفازت لائحة "إنماء صيدا" التي ترأسها المهندس محمّد السعودي بكامل أعضائها الـ21، وكانت مدعومة من تحالف "تيار المستقبل"، "الجماعة الإسلامية" والبزري وعائلات، ونال (15436 صوتاً) - أي ما نسبته 57.14% من أصوات المقترعين، فيما نالت آخر الفائزين في اللائحة عرب رعد كلش (13964 صوتاً) - أي ما نسبته 51.69%.
ودعم سعد لائحة "صوت الناس"، فنال أوّل الذين لم يحالفهم الحظ فؤاد الصلح (8443 صوتاً) - أي ما نسبته 31.25% وآخر الذين لم يحالفهم الحظ من اللائحة عاطف الإبريق (7764 صوتاً) - أي ما نسبته 28.74%.
بينما نال رئيس لائحة "أحرار صيدا" الدكتور علي الشيخ عمّار (2748 صوتاً) - أي ما نسبته 10.17%.
وهذا يُشير إلى أنّ القوّة التجييرية للائحة "إنماء صيدا" كانت تنطلق من (13500 صوتاً)، بينما القوّة التجييرية للائحة "صوت الناس" كانت تنطلق من (7500 صوت)، والقوّة التجييرية للائحة "أحرار صيدا" تنطلق من (1997 صوتاً) نالها المرشّح حسن عوكل، الذي أعلن عن سحب ترشّحه، بعد طباعة اللائحة التي بقي إسمه ضمنها.
في الانتخابات البلدية، حقّقت القوى الصيداوية الرئيسية تحالفاتها وما تريد، سواء في الوصول إلى المجلس البلدي، أو إثبات الوجود في المدينة، أو توجيه رسائل إلى مَنْ يعنيهم الأمر.
فكيف ستكون التحالفات في الانتخابات النيابية المقبلة، سواء داخل المدينة أو مع قضاء جزّين؟
هو ما ستجيب عنه الأيام المقبلة، وحتى موعد الاستحقاق الذي طال انتظاره!