تنشغل مراكز الأبحاث الدولية والعربية في وضع دراسات جديدة تحاكي بواقعية المرحلة التي أسفرت عن هزيمة المشروع «الصهيوأميركي» المدعوم من أموال النفط العربي.
إن من يستمع اليوم إلى خطاب رؤساء دول وحكومات ووزراء وصحفيين وكتاب وباحثين ومنظرين ناصبوا سورية العداء، يدرك تماما أن أدوات اندلاع الأزمة السورية في طريقها للأفول، وخصوصاً بعد أن جابوا منابر العالم على مدى سنوات الأزمة السورية وملؤوها صخباً وتزويراً وكذباً، عادوا للاعتراف بثقة تامة بفشل كل المراهنات على مشاريع كانت معدة لإسقاط نظام سورية العروبة وضرب جيشها وتفتيت وتشريد مجتمعها أو مشروع رحيل رئيسها أو تقسيمها.
ها هي منصات المعارضة السورية تعلن عن الاستغناء عن خدمات شخصيات عدة لطالما اعتبرت الركيزة الأساسية التي تم استعمالها في مشروع إسقاط النظام في سورية، وذلك بعد ثبوت إخفاق كل مشاريع المنصات المرتبطة بأجندات أميركية إسرائيلية خليجية.
ها هي دولة قطر برمجت أولوياتها على أسس جديدة ومختلفة عن سنوات الحرب السورية لتتناسب مع ضرورات المرحلة الجديدة، ولاسيما ارتدادات الأزمة الخليجية المستجدة وكيفية مواجهة الإجراءات الخليجية المتخذة لمعاقبة قطر، إضافة إلى إعادة النظر في دعم الفصائل المسلحة في سورية وقطع سبل التمويل عنها والجنوح نحو تقديم أوراق اعتماد حسن النية للحكومة السورية عبر الوسيط الروسي.
وزير خارجية المملكة العربية السعودية عادل الجبير، الذي صال وجال في العالم كله مبشراً بقرب إزاحة الرئيس بشار الأسد وبعدم وجود أي دور للأسد في مستقبل سورية، ها هو نفسه ومن فمه يبلغ منصات المعارضة السورية المدعومة من دول الخليج، أن عليهم التأقلم مع بقاء الرئيس السوري بشار الأسد وبضرورة البحث عن سبل أخرى لاستمرار المفاوضات فيما يتعلق بمستقبل تلك المنصات.
وزير الخارجية الأميركية ريكس تيليرسون يقول إن رحيل الرئيس الأسد لم يعد هدف أميركا بل يجب علينا إيجاد السبل الآيلة لمحاربة الإرهاب الذي بات مصدر تهديد للأمن القومي للعالم.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب يقول إنه يجب وقف أدوات الحرب في سورية ونحن في فرنسا نبحث في فتح قنوات اتصال مع الرئيس الأسد.
سفير أميركا السابق في سورية روبرت فورد والذي يعد من أهم الشخصيات التي وضعت التقارير وشاركت في رسم خطط إسقاط النظام في سورية ودعمت تسليح الفصائل الإرهابية، يقول أمام الكونغرس لقد أخطأنا في سورية وعلينا الاعتراف أن اللعبة في هذا البلد قد انتهت، لقد انتصر الأسد وانتصرت سورية.
أما تركيا فهي تشكل نموذجاً صارخا لأسوأ هزيمة أمنية وسياسية ودبلوماسية في سورية، ذلك أن الطموح تراجع من الصلاة في مساجد دمشق ورحيل الرئيس الأسد والسيطرة على الشمال، إلى مجرد إبعاد شبح الدولة الكردية.
وإسرائيل التي لم تترك حيلة أو وسيلة لتقديم كل أشكال الدعم والتسليح والطبابة للفصائل الإرهابية بهدف إذكاء نار الفتنة وتسعير نار الحرب السورية ومن أجل ضرب الجيش العربي السوري وتشريد وتفكيك المجتمع السوري، وبعد أن أدركت إخفاق كل محاولاتها الهادفة للنيل من سورية، فإننا نراها اليوم تصاب بالهيستيريا غير المسبوقة نتيجة صمود الجيش العربي السوري ومحور المقاومة، وباتت إسرائيل تدرك أنها أصبحت مُهددة في وجودها بعدما كانت مصدر تهديد لسورية وأمنها، وصار أقصى طموح إسرائيل هو إبعاد محور المقاومة عن حدود فلسطين المحتلة مع سورية.
ها هو الكاتب الإسرائيلي في جريدة «هآريتس» آري شبيط وفي مقالته يعترف أن إسرائيل في مراحلها الأخيرة وفي طريقها للزوال لأن الصهيونية بلغت نقطة اللاعودة، وأن العيش في سان فرانسيسكو أو ألمانيا بات أفضل من العيش مع أولئك الصهاينة، لأنهم لم يعد لديهم القدرة على إنقاذ أنفسهم ولا إنقاذ إسرائيل، وعليهم إيجاد الطريق الذي يعترف أن الفلسطيني متجذر في هذه الأرض، وأن الصهاينة ابتدعوا الأكاذيب منذ وصولهم للاستيطان في أرض فلسطين وأن هذا الطريق هو الأمثل إذا ما أرادت تلك الطغمة الحاكمة في إسرائيل البقاء على قيد الحياة.
أمام هذا العرض، لا بد لنا من التماس حقيقة واقعة بأن العالم يشهد تحولاً استراتيجياً إيجابياً واعترافاً واضحاً بانتصار صمود ومركزية سورية العروبة، لكن علينا إدراك أن هذا التحول الإستراتيجي والايجابي والاعتراف بصلابة سورية مدعومة من محور المقاومة، ليست إلا أفول مرحلة من مراحل المؤامرة المستمرة على سورية العروبة.
نقول: حرصاً على انتصار سورية، انتبهوا إلى أن ما حققته سورية هو الانتصار على أدوات المؤامرة، بيد أن صناع المؤامرة التي تستهدف سورية لم يبرحوا الغرف السوداء التي تبحث عن أساليب ودهاليز وطرق أخرى للنيل من سورية والأمة العربية.
والأهم ثمة من يعتقد أن الانتصار على المشاريع «الصهيوأميركية» هو انتصار عسكري فقط، بيد أن الانتصار العسكري يجب أن يكون دافعاً قوياً لتحصين نقاط القوة في بنية الدولة والجيش والشعب، وبالتخلص من نقاط الضعف، وإجراء مكاشفة جريئة وشفافة لكل المرحلة السابقة، والعمل على إزالة الهواجس وسد الثغرات، وتعزيز المصالحة الوطنية من أجل رسم خط المستقبل الضامن لاستمرار مناعة سورية واستثمار تضحيات الشهداء في بناء مشروع عروبي نهضوي جديد من خلال البحث الجدي في بناء ونشأة الأجيال العربية، ما يجعل من سورية قلب العروبة النابض وقبلة ورائدة القومية العربية، بما يعزز حسم انتصار سورية العروبة بقيادتها وهويتها وجيشها وشعبها ودورها وتاريخها وحضارتها.