منذ اليوم الأول لمعركة جرود عرسال، التي قام بها "حزب الله" ضد مسلحي جبهة "النصرة"، كانت بعض الأوساط في قوى الثامن من آذار تتوقع أن يكون هناك تصعيداً، من جانب الفريق الآخر، بعد إنتهاء المعركة، لا سيما بعد أن أظهرت المؤشرات التي رافقتها أن هناك إلتفافاً شعبياً واسعاً حول الدور الذي يقوم به الحزب، نظراً إلى أن تداعيات تطهير جرود السلسلة الشرقية من الجماعات الإرهابية ستكون إيجابية على المستوى الوطني.
في ذلك الوقت، تردّدت الأصوات المعارضة للحزب، لا سيما تيار "المستقبل" وحزب "القوات اللبنانية"، قبل أن توضح حقيقة موقفها، لدرجة دفعت بالكثيرين إلى القول أن هناك إجماعاً وطنياً من قبل أغلب القوى السياسية على خوض هذه المعركة، لكن فيما بعد إستدرك المعارضون هذا "الخطر"، وبدأت المواقف تخرج مرة للتأكيد على عدم منح "حزب الله" شرعية القتال في سوريا، ومرة أخرى للحديث عن أن المعركة تحصل خارج الحدود اللبنانية، أو أنها تصب في خدمة المشروع الإيراني في المنطقة.
في هذا الإطار، تشير مصادر مطلعة في قوى الثامن من آذار، عبر "النشرة"، إلى أن حملة التصعيد التي تقوم بها قوى الرابع عشر من آذار، في الوقت الراهن، ضد "حزب الله"، تأتي في سياق منعه من إستثمار الإنجاز الذي تحقق على المستوى الوطني، وتوضح أن هذا ما دفع تلك القوى إلى الإصرار على أن تكون مهمة تحرير جرود رأس بعلبك والقاع من مسؤولية الجيش وحده، دون أي تنسيق مع الحزب أو الجيش السوري، مع العلم أن هذه القوى هي التي كانت تمنع الأجهزة الأمنية اللبنانية من القيام بما يلزم على مدى السنوات السابقة، وتسأل: "هل الغطاء السياسي الذي تحتاج له تلك الأجهزة لمثل هذه المعركة كان ممنوعاً عليها من جانب فريقنا السياسي"؟.
من وجهة نظر هذه المصادر، الفريق الآخر لم يكن في وارد تأمين الغطاء لأي عملية عسكرية في الجرود مهما كان الثمن، بل على العكس من ذلك كان من مصلحته إستمرار الواقع على ما كان عليه في السابق، لكن الخطوة التي قام بها "حزب الله"، إلى جانب الجيش السوري، دفعته إلى التراجع، لا سيما بعد أن أدرك لوجود قرار حاسم لدى الحزب والقيادة السورية بالإنتهاء من هذه البؤرة الإرهابية، وبالتالي عليه أن يعمل على منعهما من الحصول على شرف تحقيق هذا الإنجاز.
بالنسبة إلى هذه المصادر هناك العديد من النقاط التي ينبغي التوقف عندها لفهم خلفيات حملة التصعيد القائمة ضد الحزب، وهي لا تتوقف عند منعه من إستثمار الإنتصار الذي تحقق على الصعيد الوطني لا الحزبي أو الشخصي، أولها موقف بعض القوى الإقليمية والدولية التي لم تتردد في التعبير عن إمتعاضها مما يحصل على الساحة اللبنانية من تعاطف مع الحزب، بالإضافة إلى أن الفريق الآخر يضع على رأس قائمة أولوياته الإنتخابات النيابية المقبلة، وبالتالي هو لا يستطيع أن يتحمل إنتكاسة من هذا النوع، لا سيما أن هناك من يريد إستغلال أي "هفوة" من جانبه للتصويب عليه والإستفادة من ذلك شعبياً، وتلفت إلى أن هذا من ضمن الأسباب التي تدفع تيار "المستقبل" إلى العمل على "تطيير" الإنتخابات الفرعية في كسروان وطرابلس، بسبب خوفه من فوز تيار الوزير السابق أشرف ريفي أو تيار رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي بالمقعدين النيابيين في عاصمة الشمال.
إنطلاقاً من ذلك، لا تتردد المصادر نفسها في الحديث عن أن البعض ضمن قوى الرابع عشر من آذار سوف يعمد، بشكل مباشر أو غير مباشر، على تضخيم الإجراءات التي ستتخذ من جانب الولايات المتحدة وبعض البلدان الخليجية ضد الحزب، وتلفت إلى أن هذا ما ألمح إليه أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، في خطابه الأخير، من خلال قوله أنه لا يتمنى أن يكون هناك من اللبنانيين من هو مشارك في حملة التهويل، وتوضح أن هذا ما يحصل بالنسبة إلى المطالبة بالتنسيق مع الحكومة السورية أو زيارة وزراء من الحكومة العاصمة السورية دمشق، تحت عنوان عدم منح الرئيس بشار الأسد "الشرعية"، بالرغم من أن هذه "الشرعية" تتمتع بها القيادة السورية من خلال إعتراف الأمم المتحدة بها حتى اليوم.
في المحصلة، لا تتوقع هذه المصادر تراجع حملة التصعيد القائمة في الأيام المقبلة، إنّما ترجح أن ترتفع حدتها أكثر، خصوصاً أن البعض في الفريق الآخر كان ينتظر هذه الفرصة على ما يبدو.