أكثر حيوية هي طرقات دمشق والدروب المؤدية إلى معرضها الدولي في دورته الـ59، طريق بيروت-دمشق واحدة من الطرق النشطة الحركة لاسيما بعد مشاركة وزراء لبنانيين في المعرض أيضاً.
لعودة المعرض، الذي بدأ منذ خمسينيات القرن الماضي وانقطع لخمس دورات، هذا العام دلالات ومؤشرات، "إنه النصر العسكري بنكهة اقتصادية سياحية"، ويجمل رئيس اللجنة الإعلامية الوطنية لمعرض دمشق الدولي حبيب سلمان المشهد، فيقول "إن انعقاد هذه الدورة من المعرض السوري التاريخي ماهو إلا انعكاس للانتصارات التي يراكمها الجيش العربي السوري في مكافحة الارهاب، فهذا الجيش استطاع تنظيف مراكز المدن باتجاه الحدود سواء مع الأردن والعراق ووصولا إلى لبنان، كما أنه لم يكن مصادفة تزامن الإعلان عن الدورة الحالية لمعرض دمشق الدولي بعد تحرير حلب العاصمة الاقتصادية والصناعية لسوريا"، ويوضح سلمان أن "ما ساعد في اطلاق المعرض أيضاً هو اتساع رقعة الأمن والأمان في البلاد وتسارع المصالحات المحلية من جهة، والبدء بتنفيذ مخرجات اجتماعات أستانا وتطبيق مناطق تخفيف التصعيد من جهة أخرى".
هذا في لغة العسكر أما في لغة الأرقام، فيقدم سلمان مجموعة بيانات تكشف أهمية هذه الدورة من المعرض "فعدد الدول المشاركة في المعرض بلغ 21 دولة عربية وأجنبية ممثلة بأجنحة كاملة إضافة إلى وجود شركات من 44 جنسية في مفأجاة قوية نظراً للظروف في سوريا والأوضاع الاقتصادية الصعبة، وللمرة الأولى في تاريخ المعرض يتم استثمار كامل مساحاته المبنية والمكشوفة بحوالي 70 ألف متر مربع، ومن المتوقع أن تبلغ عقود التصدير خلاله 300 مليون دولار وهي معفية تماما من أجور النقل والجمارك، كما أنّ المشاركات السورية الواسعة على صعيد القطاعين العام والخاص تؤكد عودة عجلة العملية الانتاجية للدوران وبدء التعافي الاقتصادي السوري رغم الاجراءات القسرية التي فرضها الغرب الاميركي والاوروبي على سوريا، وبالنظر إلى جنسيات الشركات والدول تستطيع الاستنتاج أن هناك تحد وكسرا لهذا الحصار الغربي وبدء اختراق وزيادة اهتمام بالمرحلة المقبلة التي تشمل عملية إعادة الإعمار".
من جهة ثانية، هناك اهتمام أوروبي لافت بالمشاركة، فعلى سبيل المثال تقدمت 8 شركات تشيكية بطلبات للحصول على تأشيرات دخول إلى سوريا للمشاركة في المعرض، وخصص للجناح التشيكي 50 متراً مربعاً، وتتخصص الشركات، التي أبدت اهتماماً في المعرض، بشكل رئيسي في مجالات تعقيم المياه وإعادة بناء البنى التحتية، إضافة إلى بناء وصيانة المطاحن والصوامع ومجالات أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، هناك شركات من نحو 13 دولة أوروبية سوف تشارك في المعرض، وهي التشيك، بيلاروسيا، بلجيكا، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، بولندا، هولندا، إسبانيا، بلغاريا، اليونان وإيطاليا بالإضافة إلى الدنمارك، إلى جانب مشاركة دول أجنبية وافريقية هي كندا والبرازيل وفنزويلا وكوبا وجنوب إفريقيا وجمهورية أبخازيا.
أما بالنسبة إلى الدول العربية والآسيوية المشاركة، فهي العراق، الصين، إيران، مصر، السودان، الهند، فلسطين، أندونيسيا، لبنان، كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، اليمن، الإمارات العربية المتحدة، اليابان، هونغ كونع، تايلاند، ماليزيا، تايوان، البحرين والسودان والأردن وعمان، وعلى رأس الدول المشاركة روسيا.
ليس المعرض معرضا للدول والشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات الكبرى فحسب، بل هو أيضاً للتاجر والأسرة وصولاً إلى الطفل حتى، كما ستفتح أربع صالات للبيع المباشر للزوار بأسعار تشجيعية، وسيحتضن المعرض مسرح الطفل وحفلات موسيقية وعروضاً ترفيهية، كما جرى تخصيص 70 باصاً من الشركة العامة للنقل الداخلي وشركات الاستثمار بمعدل 280 رحلة يومياً لنقل الزوار مجاناً من وإلى مدينة المعارض.
في مطلع ستينيات القرن الفائت، أقام الفنانون السوريون نصباً تذكاريا للسيف الدمشقي في ساحة الأمويين، هذا السيف حاضر وسط العاصمة دمشق كرمز مميز للمدينة، يومها كان الزجاج الملون يمثل اعلام كل الدول المشاركة في معرض دمشق الدولي، إلى هذا الحد كان راسخا في الفكر السوري الاهتمام بهذا المعرض وأصالته، لقد كان المعرض طقساً اجتماعياً قبل أن يكون اقتصادياً، وهو قبل كل شيء حاضر في ذاكرة السوريين كرديف لفترة الرخاء والأمان، بالأمس وخلال حفلات المعرض السابقة ترددت كلمات مسرحيات فيروز وألحان أغانيها "شام يا ذا السيف" و"أحب دمشق" و" يا شام عاد الصيف"، واليوم يردد السوريون "يا شام عاد المعرض".
لا شك أن سوريا بدأت تتعافى من أزمتها، ومن المؤكد أنها في العام 2017 مختلفة عن سابقها، ومن يتابع النشاط الاقتصادي والحركة التجارية في سوريا والانتاج السوري يدرك أن الحرب عبرت، وأن البلاد أمام مرحلة جديدة من اعادة الاعمار والبحث عن عقود استثمارية.